انتهى المشهد بطلاق «زينب بنت جحش» من زيد بن حارثة، الصحابى الوحيد الذى ذُكر اسمه فى القرآن الكريم، وشاء الله أن تتزوج بعده من النبى صلى الله عليه وسلم.
مؤكد أن السيدة الجليلة كانت أسعد الناس بذلك وأكثر زوجات النبى فخراً بزواجها من النبى بقرار إلهى كمنت وراءه حكمة عميقة تتعلق بتنظيم خريطة الأنساب داخل المجتمع، ومنع ذلك التقليد الذى ينسب فيه الفرد لغير أبيه، بما يترتب على هذه الأبوة غير الواقعية من أحكام جرت عليها سنن الحياة، قبل أن تمنع السماء ذلك.
تزوج النبى من بنت عمته زينب بنت جحش سنة 5 هجرية بعد معركة بنى قريظة، أى بعد 3 سنوات من زواجه من عائشة (سنة 2 هجرية)، وكان عمر النبى صلى الله عليه وسلم حين تزوج «زينب» 57 سنة، وهى سن لا تشغل فيها النساء رأس الرجل، ولعل فى ذلك رد على بعض المفسرين الذين انقادوا وراء الحكايات الساذجة التى تقول إن النبى وجد فى نفسه ميلاً إلى زينب، وإن زيداً أراد أن يطلقها حين أدرك ذلك، وغير هذا من كلام عجيب، فى محاولة لتفسير قوله تعالى: «وتخفى فى نفسك ما الله مبديه»، وكأن ما أراد النبى إخفاءه هو ميله إلى زينب، وليس ما هو واضح من الموقف وسياقه من إدراكه، صلى الله عليه وسلم، أن الحياة ما بين زينب وزيد باتت مستحيلة، وأن هذا الأمر كان معلوماً لأغلب المحيطين بهما.
وجد النبى فى «زينب» بعد زواجه منها ظلاً من زوجته الغالية الراحلة خديجة بنت خويلد، ظلاً من حكمتها فى حسن التفكير والتدبير اللذين تمتعت بهما «زينب»، ظلاً من إيمانها العميق ومحبتها للتصدق على الفقراء، ظلاً من رقتها وحنانها وقدرتها على الاحتواء، فكانت آخر زوجة يبيت عندها النبى قبل دخوله المرض الأخير الذى انتهى بصعود روحه الشريفة إلى بارئها.
العمل والربح شكّلا قاسماً آخر مشتركاً بين خديجة وزينب، فخديجة كانت تعمل بالتجارة، وتربح من تجارتها الكثير، وقد بذلت هذا المال فى سبيل الله تعالى، ولم تكن زينب تعمل بالتجارة مثلها، بل كانت -كما تروى السيدة عائشة رضى الله عنها- «امرأة صناعاً» تعمل بيديها وتتصدق على الفقراء.
فالواضح أنها كانت تجيد الأشغال اليدوية واشتهرت بذلك بين أهل مكة، ومن الواضح أن عملها كان يدر عليها الكثير، ولم تكن تدخره أو تختزنه لنفسها، بل كانت مثل السيدة خديجة تتصدق بما تربحه على من يحتاج من المسلمين.
ليس من المستبعد بحال أن تكون السيدة زينب بنت جحش قد اتخذت من السيدة خديجة رضى الله عنها قدوة لها، فقد علمت موقعها من رسول الله، وعلمت وهى المنتمية إلى العائلة الهاشمية كيف أوجع الحزن قلبه الوفى حين ماتت خديجة، ووصف عام موتها مع عمه (وخالها) أبى طالب بن عبدالمطلب بعام الحزن، واجتهدت فى أن تقوم فى حياة النبى بالدور نفسه الذى قامت به خديجة بنت خويلد، أملاً من ذاتها العلية فى أن تكون فى مقامها الكريم داخل قلب النبى صلى الله عليه وسلم.