زمان، منذ سنوات طويلة كان في شبرا سينما صيفي – لا سقف لها - كبيرة تتكون من ثلاثة طوابق، ترسو وصالة وبلكون. كنا في مطلع الشباب نتجمع لمشاهدة الفيلم الجديد كل أسبوع. كان أسبوع العرض السينمائى يبدأ يوم الاثنين من كل أسبوع. غالبا كنا نشاهد الفيلم من طابق البلكون العلوي، وكان ثمن تذكرة دخول العرض «8 قروش ونصف»، بينما كان ثمن تذكرة الصالة «6 قروش ونصف»، أما الترسو أو الدرجة الثالثة فكان ثمن تذكرته «3 قروش ونصف»، (أرقام غريبة وعجيبة لمن يركز في قيمتها). كان العرض يشمل فيلمين أو ثلاثة حسب مدة الأفلام، وكانت غالبية الأفلام أبيض وأسود، أتذكر منها فيلم نحن لا نزرع الشوك والشياطين الثلاثة وربع دستة أشرار وغيرها، وكانت أفلام فريد شوقي قاسما مشتركا مع غالبية العروض.
تطل على صالة السينما، التي تبدأ عروضها بعد مغيب الشمس، عمارة كبيرة. كنا نحسد سكان تلك العمارة الذين يستمتعون بمشاهدة كل تلك الأفلام مجانا وفي أي وقت، فربما يشاهدون الفيلم في عرضه أول يوم، وربما يؤجلون المشاهدة لو أن لديهم مشاغل أو ارتباطات خارج المنزل، ويمكن لأحدهم أن يشاهد جزءا من الفيلم ويؤجل للغد مشاهدة بقية الأجزاء. ومن أسباب الحسد أيضا أنهم كانوا يجلسون في شرفات مساكنهم يستمتعون بالمشاهدة مع تناول المشروبات وقزقزة اللب والسوداني.
تذكرت السينما الصيفي بعدما أقيمت بالقرب من منزلي مجموعة من قاعات الأفراح. كلها وسط المساكن، بل إن بعضها داخل عمارات، وهو أمر خطير لما قد يحدث من حرائق أو هزات فتزهق أرواح أو تصاب أجساد. كل يوم أسمع الأغاني الصادرة من تلك القاعات، أغاني صادرة من (ديه .. جيه)، منذ بدء فعاليات الفرح أسمع تفاصيل عقد القران وبعدها أغاني زفة العروس ثم انطلاقة كبيرة لأغاني المهرجانات مطعمة بأغان قديمة لصباح ومنير وحليم ورشدي ودياب وهنيدي والليثي وغيرهم.
بعد أيام من استمرار بث تلك الأغاني صارت بالنسبة لي تجربة غير سارة، ربما استمعت واستمتعت مرة أو أكثر، لكن هذا التكرار اليومي ومعاودة بث الأغاني والموسيقى جعلني في حالة نفور مما يحدث، خاصة أنني أجلس للكتابة في المكان القريب من القاعات. لقد تذكرت حكاية السينما الصيفي وخجلت من حسدي ورفاقي جيران السينما حسبما تصورنا في ذلك الوقت. أدركت أن الأمور لا يجب تصورها بسطحية، فربما يكون هناك بعض المتعة في المشاهدة أو الاستماع، لكن المؤكد أن هناك متاعب من وراء ذلك.
ألا يجب عدم إقامة القاعات بين المساكن؟ ألا يجب أن تكون القاعات معزولة لا تخرج منها الأصوات زاعقة؟