هناك ثلاث قيم سياسية، بل إنسانية ذهبية، لا غنى لأى مجتمع سليم عنها، أولها الحرية، وهى تشمل حرية التفكير والتعبير والتدبير، إذ من حق كل مواطن أن يفكر كما شاء وفيما شاء، فهذا أمر يخصه ولا سلطان عليه فى اعتناق فكرة أو عقيدة، فإن عبَّر عما يدور بذهنه أو مخيلته يكون عليه عدم انتهاك الدستور والقانون، أو الوقوع فى ازدراء عقائد الآخرين، أو التحريض على العنف، والدعوة إلى ما يضر بالصالح العام للشعب.
وحرية التعبير تمتد من الأفراد إلى المؤسسات، وتضمن صيانة الرأى، وتقع الحريات الأكاديمية فى قلب حرية التعبير، إذ يجب أن تتمتع الجامعات باستقلال يحمى حرية البحث العلمى.
كما للمواطنين حرية اختيار معتقداتهم وطرائق عيشهم، مع ضمان عدم ازدراء عقائد الآخرين. ويكون لأتباع كل معتقد الحق فى الدعوة إليه دون إكراه معنوى أو مادى. وللأفراد أيضاً حرية اختيار نمط الحياة الذى يروقهم، ولهم حرية الإبداع فى مختلف الدروب والمجالات.
أما حرية التدبير، فتعنى ضمان الحركة أو الفعل السياسى والاجتماعى والاقتصادى الخلاق، دون قيود إلا ما يفرضه الدستور والقانون، وهنا يجب إقرار حق المواطنين فى التصويت خلال مختلف الاستحقاقات الانتخابية، وإطلاق حرية تشكيل الأحزاب السياسية، ومؤسسات المجتمع المدنى، والحركات الاجتماعية أو جماعات المصالح والضغط التى ترمى إلى تعزيز مشاركة الشعب فى صناعة القرار، وفتح المسارات المنتظمة المشروعة للعمل العام، وضمان حرية السفر والتنقل للمواطنين.
وفى حرية التدبير أيضاً لا بد من احترام الملكية الخاصة، وتعزيز الاقتصاد الحر، المنفتح على العالم دون قيود، وهذا يتطلب غياب الاحتكار والغش، وحماية المنتجين من المنافسة غير العادلة، وحماية المستهلكين عبر وضع معايير تضمن جودة السلعة والخدمة، وضمان الدولة لحرية الأسواق، وأن يسهر القانون على ضبطها ورقابتها، وتزكية الحافز الفردى، وتوفير المناخ الملائم للاستثمار، دون الإخلال بمسئولية الدولة فى توفير حياة كريمة للطبقات الاجتماعية الأكثر احتياجاً.
أما قيمة المساواة التى أقصدها فى هذا المقام، فهى ليست المساواة الحسابية، التى تعنى التوزيع المتساوى للمزايا والأعباء، وفق قاعدة: «من كلٍّ على قدر طاقته، ولكلٍّ على قدر حاجته»، لأن هذا لا يضمن ربط العائد ببذل الجهد، أو إتقان العمل، أو الذكاء، ويساوى بين الكسول والدؤوب، وبين الذكى والأقل ذكاء، وبين الماهر ومن هو غير ذلك، وبين الموهوب والعاطل عن الموهبة.
إنما أقصد مبدأ «المساواة فى الفرص»، عبر وجود قواعد واضحة للعمل والكفاح فى سبيل تحسين شروط الحياة، ينطلق منها الأفراد فى سعيهم لحيازة المكانة الاجتماعية، أو القدرة الاقتصادية، أو التحصيل العلمى والمعرفى، على أن يكونوا أسياداً فى بلادهم.
ويجب أن يكون المواطنون أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم على أساس الدين أو المذهب أو الطائفة أو العرق أو اللغة أو اللهجة أو الجهة أو الطبقة أو النوع أو التوجه.
والقيمة الثالثة هى العدالة، ولها وجوه عدة، فالعدالة السياسية ترتبط بالديمقراطية، حيث حكم الشعب لنفسه وبنفسه، ومشاركته الدورية فى اختيار نوابه وقيادات الدولة، وتداول السلطة السياسية، والفصل بين السلطات، وإقرار التعددية الحزبية، واحترام الدستور والقانون، وحرية الرأى والتعبير.
والعدالة القانونية تتطلب وجود قضاء مستقل، يتوافر للمواطنين حق اللجوء إليه دون موانع، والدفاع عن أنفسهم أمامه دون إخلال، وأن تكون قواعد القانون عامة ومجردة، ولا تُسن التشريعات لخدمة جهة أو طبقة أو سلطة على حساب البقية، وأن يكون القانون لخدمة الصالح العام، وأن تكون العدالة ناجزة، دون ظلم أو تباطؤ.
والعدالة الاجتماعية تعنى حق المواطن فى تحصيل الكفاية من الغذاء والدواء والإيواء والكساء والتعليم، والإقرار بنصيب الفقراء فى المال العام، وأن تكون الضرائب مقابل الخدمة والمشاركة السياسية.