حاولت مراكز استطلاع الرأى وبعض وسائل الإعلام الأمريكية المضادة لترامب، أن تُظهر تقدم المرشحة «الاستبن» للحزب الديمقرطى، فى استطلاعات الرأى التى أجرتها قبل الانتخابات، مستندة -كما ذكرت- على عينات من الذين أدلوا بأصواتهم مبكراً أو عبر البريد، وتفادت صحيفة الواشنطن بوست الوقوع فى هذا الفخ عندما أعلنت الأسبوع الماضى اعتذارها عن عدم نشر تقرير قد نوّهت عن نشرة لتأييد هاريس، ورغم أنها فقدت 200 ألف من مشتركيها، جراء هذا الفعل، إلا أنها فضلت هذه الخسارة عن الخسائر المادية الكبيرة التى كانت ستتكبدها ومالكها مؤسس أمازون إذا ما نشرت هذا التقرير وفاز ترامب، حيث تنبهت أنه متفوق على «هاريس»!
لم يكن للسود أو للمرأة تأثير سلبى على دونالد ترامب، وكذلك لم يؤثر المليار و300 مليون دولار التى أنفقها الحزب الديمقراطى فى الدعاية.
ترامب لعبها «صح» وبدأ مبكراً، بعكس «هاريس» التى لم تتجاوز مدة دعايتها الانتخابية ثلاثة شهور، حيث حلّت محل الرئيس بايدن أو بالأحرى كانت بمثابة «استبن» له، بعدما انتصر عليه ترامب فى أول مناظرة أجريت بينهما، ووقتها أسقط فى يد الحزب الديمقراطى بعد أن أيقن حتمية سقوط مرشحة إذا استمر فى الانتخابات، وضغطت قيادات الحزب وقتها على بايدن للاعتذار عن عدم خوض الانتخابات ورغم معارضته فى بادئ الأمر إلا أنه نزل على رغبة الحزب واشترط أن تحل كامالا هاريس (نائبة الرئيس) محله، وإلا سيعمل على سحب جميع التبرعات التى تلقاها، وفى هذه الحالة كان سيفقد الحزب ما يقرب من 300 مليون دولار، إذا رفض طلب بايدن.
إذن فلم تكن «هاريس» هى أفضل العناصر التى يمكن الدفع بها لخوض الانتخابات ومواجهة «ترامب».. ولم تكن هناك فترة كافية لدى الحزب لجمع تبرعات جديدة لمرشح جديد، أضف إلى ذلك الفشل الاقتصادى الذى ارتكبه بايدن وهاريس معاً، والذى أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة بدرجة لم تشهدها الولايات المتحدة من قبل، وزيادة فوائد البنوك أيضاً لأول مرة، مما أدى إلى زيادة التضخم وارتفاع الأسعار لدرجة أرهقت المواطن الأمريكى، وزاد الطين بلة على رأس الديمقراطيين العنف الذى تعاملت به إدارة بايدن مع طلاب الجامعات والشباب الذين اعترضوا على حرب الإبادة التى تشنها إسرائيل فى غزة، وتراجعها عن وعدها بإسقاط القروض الدراسية عن الطلاب، مما دفع كل أصوات الشباب إلى الاتجاه لترامب ولو حتى من باب التصويت العقابى لبايدن وهاريس.
وتنبّه ترامب إلى الأخطاء التى وقع فيها خلال انتخابات 2020، وهى تأخر تصويت الجمهوريين، مما أدى إلى عدم تمكنهم من الإدلاء بأصواتهم، وظهر ذلك جلياً فى بنسلفانيا التى لو حصل ترامب على أصواتها الـ19 لفاز على بايدن، ودعا هذه المرة مؤيدية إلى التصويت المبكر -كما يفعل الناخب الديمقراطى- والإصرار على الإدلاء بالأصوات للناخبين الموجودين أمام اللجان الانتخابية، وإجبار المسئولين على مد ساعات التصويت، وهذا حدث بالفعل هذه المرة فى أكثر من ولاية.
وتنبه «ترامب» أيضاً إلى أصوات المرأة التى تلعب عليها «هاريس»، فحرص على الظهور أكثر من مرة مع زوجته رغم الخلافات التى بينهما، بل وأشاد بالكتاب الذى أصدرته ووصفه بالعمل العظيم، ورغم أنهما دخلا معاً لجنة الاقتراع إلا أنه لم يكن ممسكاً بيدها كما كان يفعل فى انتخابات 2016 و2020، لكنه أراد بهذه الإشادة أن يصدّر للناخبات أنه يثمّن دور المرأه، كما أبعد عن حملته ابنته إيفنتا وزوجها الذى كان مهندس مشروع الشرق الأوسط الجديد خلال فترة رئاسته السابقة، خشية من التأثير السلبى على حملته!
استطاع ترامب بحنكته وخلاصة تجاربه فى الانتخابات أن يسد كل الثغرات التى أرادت «هاريس» وحزبها النفوذ منها والقضاء عليه من خلالها، حتى عندما أرادت «هاريس» أن تلعب على الفارق فى السن بينهما، كثف من تحركاته وعقد مؤتمراته مستعرضا لياقته الذهنية والبدنية ليرد عليها عملياً.
الرجال الموجودون حول «ترامب» هم الذين نرفع لهم القبعة، وبخاصة فيما يتعلق بالقضايا المرفوعة ضده ومد أجلها لما بعد إجراء الانتخابات.
نجح «ترامب» لأنه وعد الشعب الأمريكى بحل الأزمة الاقتصادية، وتوفير فرص عمل وخفض التضخم، وليس كما يعتقد البعض بسبب حرب أو دعم إسرائيل أو علاقات مع إيران أو توتر مع روسيا، الناخب الأمريكى لا يهمه سوى مصلحته الشخصية وتحقيق استقراره المادى، وهذا ما وعده به ترامب، لدرجة أنه سيستعين بصديقه إيلون ماسك أغنى رجل فى العالم لإدارة الموارد الحكومية، لينقل تجربة نجاح شركاته إلى الإدارة الأمريكية الجديدة.
أما توجهات وسياسات ترامب الخارجية، وبخاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فلنا معها مقال قادم بإذن الله.