بعد أربع سنوات من ولايته الأولى، يدخل دونالد ترامب البيت الأبيض للمرة الثانية رئيساً، اقتنص الفوز فى أشرس انتخابات تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية فى تاريخها، حسب تقديرات المراقبين، وكان قد استبق النتائج بالتمهيد بأنه قد يشوبها التزوير، بما يعنى رفض تلك النتائج فى حال خسر الانتخابات، الآن وبعد أن فاز ترامب بالرئاسة للدورة الثانية فى الانتخابات الرئاسية، كونه كان رئيساً لدورة واحدة، ما الذى ينتظره من ملفات شائكة؟ وكيف سيتعامل مع ملفات الشرق الأوسط تحديداً، بالذات الحرب الدائرة على قطاع غزة ولبنان، والتهديد الإيرانى، وهو المعروف بعدائه الشديد لإيران، فسياسات «ترامب» قد تدفع نحو تعزيز التحالفات التقليدية واتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه إيران وحلفائها. مثل هذه التغييرات قد لا تقتصر على العلاقات الثنائية، بل قد تعيد رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة بأكملها، مما يجعل نتائج الانتخابات ليست فقط للولايات المتحدة، بل وللشرق الأوسط بأسره. ينتظر «ترامب» الكثير من الأزمات والملفات العالقة، لكنه كان قد أشار إلى كيفية التعاطى معها فى حملته الانتخابية، ونستطيع الاستنتاج كيف يمكن أن يتعامل ترامب مع هذه الملفات من الدورة الرئاسية السابقة؟، وكيف كان سبباً فى خلق الأزمات بين دول العالم بأسلوبه المتهور وشططه السياسى، خاصة فى الملف الصينى، وملف الهجرة غير الشرعية، فضلاً عن الملفات الداخلية المثيرة للجدل؟
اليوم يعود ترامب للبيت الأبيض فى مرحلة صعبة وحرجة، خاصة فى ما يتعلق بالحرب الدائرة على قطاع غزة منذ أكثر من عام وعلى لبنان والملف الإيرانى والحرب الروسية - الأوكرانية، وغيرها من الأزمات. إن المهام التى تنتظر ترامب تتلخص فى عناوين مهمة وحسّاسة يأتى على رأسها: أولاً النكوص عن الالتزامات التى أثقل بايدن أمريكا بها، مثل الدعم اللامحدود لأوكرانيا ومساهمات الولايات المتحدة فى المنظمات التابعة للأمم المتحدة والعودة إلى إشعال الحرب الاقتصادية مع الصين وإرغام أوروبا على تقديم المزيد من المساهمة فى حلف الأطلسى.
ثانياً سيعود «ترامب» إلى اعتبار الخطأ المحدق بأمريكا، وإنما هو قادم من التنين الصينى، وليس من روسيا، باعتبار أن الميدان الاقتصادى وليس العسكرى هو الميدان المفتوح والمتاح للحرب فى المستقبل.
ثالثاً سيولى اهتماماً جدياً بتعويق الهجرة إلى الولايات المتحدة، خاصة من المكسيك، وربما سيعود إلى بناء جدار حدودى يُعرقل تدفّق اللاجئين.
رابعاً سيلغى التفاهمات غير المكتوبة مع إيران التى توصّل إليها بايدن، والتى تتلخص فى التزام إيران بإبطاء المشروع النووى، مقابل أن تغض الولايات المتحدة النظر عن تهريب النفط والغاز الإيرانى وإجبار الصين على التراجع عن اتفاقها الاستراتيجى مع إيران بهذا الصدد.
خامساً وباعتبار أن إدارة بايدن كانت ظلاً باهتاً لأوباما، ولم تتمكن من وضع بصمتها الخاصة فى السياسات العامة الداخلية والخارجية، فسيكون متاحاً لترامب أن يستهدف تلك السياسات، وأن ينجح فى إزاحتها عن المشهد الأمريكى بسهولة، وسيُعيد إحياء نظامه الضريبى المنحاز إلى الشركات الكبرى ورجال الأعمال، وسيُخفّف إلى الحد الأدنى من الأعباء الحكومية المتعلقة بالتأمين الاجتماعى أو الصحى.
سادساً سيحاول مقايضة لبنان بغزة، وسيعمل على إنهاء الحرب فى لبنان، مقابل السماح لإسرائيل بالمُضى فى حربها بغزة إلى أن تحقّق أهدافها، رغم اعتقاده أن وقف الحرب هو ما سيُحقق أغراض إسرائيل.
سابعاً سيكون من أولوياته إحياء فكرة الحلف الشرق أوسطى ضد إيران بين إسرائيل والدول العربية، وهى فكرة مؤسّسة أولاً على ضرورة إنهاء الحرب، سواء فى غزة أو فى لبنان، إذ يعتقد ترامب أن حماس وحزب الله، يستمدان القوة من إيران، والحرب ضدهما ستكون غير مجدية، طالما أن هذين الطرفين يتلقيان المساعدة غير المحدودة من إيران، والحل يكمن فى ضرب رأس هذا المحور وحصاره. فوز «ترامب» بالنسبة للملف الفلسطينى لن يختلف كثيراً عن حقبة سلفه بايدن، لكنه سيفرق مع الملف الإيرانى والروسى، كما أنه سيحاول إنجاز ما توقف من ملف التطبيع مع باقى الدول العربية الذى توقف بفعل الحرب على غزة.