إذن فعلها دونالد ترامب وعاد منتصراً مرة أخرى إلى البيت الأبيض، وأصبح الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، عاد وفى انتظاره العديد من الملفات الشائكة والصعبة التى تعقدت على مدى السنوات الأربع الماضية والتى من المتوقع أن تشهد سيناريوهات مختلفة عن التى وضعها رجال الحزب الديمقراطى فى البيت الأبيض، ومنها ما هو داخلى وعلى قمته الوضع الاقتصادى فى البلاد، وقضية الهجرة وغيرها من القضايا التى من المتوقع أن يبدأ فى العمل عليها فور توليه المسئولية.
أما الأزمات الخارجية وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية والحرب فى غزة وجنوب لبنان، فقد أبدى «ترامب» موقفه منذ البداية وقال إنه لو كان رئيساً ما كانت تلك الحرب قد اشتعلت، وهى الحرب التى ألقت بظلالها تقريباً على كل دول العالم، خاصة دول الشرق الأوسط، وهى الحرب التى انتهزت إسرائيل اشتعالها وانشغال روسيا كأحد الأطراف كى تنكل بالشعب الفلسطينى وتدمر قطاع غزة تدميراً كاملاً وتقتل وتشرد مئات الآلاف من الفلسطينيين، ثم تتبعها بتدمير الجنوب اللبنانى، فكيف ستكون معالجة ترامب لهذه المأساة وهل سيصلح ما أفسده فى فترته الرئاسية الأولى من انحياز كامل لإسرائيل أم سيستمر فى المنح اللامحدود لها؟
من المؤكد أن «ترامب» الذى عاد اليوم إلى المشهد السياسى على قمة السلطة فى الولايات المتحدة الأمريكية ليس هو «ترامب» الذى رحل عنها منذ سنوات أربع، خاصة بعد ما واجهه خلال تلك السنوات من اتهامات خطيرة كادت تودى بمستقبله السياسى والاقتصادى والاجتماعى وتحوله من رئيس لأكبر دولة إلى سجين فاسد، ولعله بهذه التجربة القاسية، ولعل أموراً أخرى كثيرة قد مرت عليه طوال هذه السنوات دفعته لإعادة حساباته وإعادة ترتيب أفكاره، ومن المؤكد أنها أثقلته سياسياً وربما أنضجته. وهذا ما كان واضحاً فى حملته الانتخابية التى أدارها بذكاء وثقة اتضحت مبكراً، وقد ساعده سوء حالة بايدن فى البداية، ثم ظل أوباما الذى انعكس على كامالا هاريس فأسقطها وأسقط الحزب الديمقراطى معها، ولعل كل المؤامرات التى أدارها الديمقراطيون للحيلولة دون دخول «ترامب» الانتخابات مرة أخرى، والتنكيل الذى شهده من المؤكد أنه كان أحد أسباب تطوره سياسياً، بل وربما فوزه فى الانتخابات.
السؤال الآن: هل سيعود «ترامب» لينتقم من كل من نكّل به ودبّر له المؤامرات، أم أنه سيفتح صفحة جديدة تمكنه من الاستعداد للانتخابات التالية فى 2028، ومن المؤكد أن عينه عليها من الآن حتى وإن تجاوز الثمانين فى حينها؟.
الحقيقة أن دونالد ترامب أمامه فرصة تاريخية هو فى حاجة إليها أكثر من أى رئيس آخر للولايات المتحدة الأمريكية، ليدخل التاريخ حين يوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وحين يوقف الحرب فى غزة وجنوب لبنان، وحين يعيد العلاقات الأمريكية الصينية لوضع أفضل، وحين يحسن اقتصاد بلاده، وهو لديه المقدرة على كل هذا إن أراد، ولعل تاريخ الحزب الجمهورى يجعلنا نضع هذه الاحتمالات دون التسرع نحو التفاؤل المفرط.
أما بالنسبة لنا نحن العرب فقضايانا المهمة التى طال أمدها وكثر ضحاياها فقد حان الوقت للتفاوض عليها مع الرئيس الجديد، وهو بالفعل جديد فهو ليس «ترامب» القديم، وستظهر الأيام القادمة أى «ترامب» هو.