تهدف المقاومة فى غزة من خوضها حرب استنزاف ضد الجيش الإسرائيلى إلى تحقيق عدة أهداف، يمكن ذكرها على النحو التالى:
1 - الاستنزاف المستمر للقدرات البشرية والتسليحية للجيش الإسرائيلى، بما يجعل قادته يدركون، فى خاتمة المطاف، أن البقاء فى قطاع غزة مكلف جداً.
2 - توسيع دائرة المشتبكين مع القوات الإسرائيلية، إذ إن طول بقائها فى القطاع، وتلقيها ضربات متلاحقة سيُشجع بعض شباب غزة على الانخراط فى المقاومة، كل على قدر استطاعتهم. وقد نشهد عمليات فردية، يقوم بها من يمكن أن نطلق عليهم «الأسود المنفردة»، علاوة على نجاح المقاومة بالفعل فى استقطاب وتجنيد شباب جدد ينضمون إلى صفوفها ذات القوام المتماسك والمنتظم.
كما أن مثل هذه العمليات يمكنها أن تنتقل إلى الضفة الغربية، بمرور الوقت، وهى إقليم لم تُنزع منه المقاومة، رغم ظروفه السياسية والاقتصادية المختلفة عن قطاع غزة.
3 - تحقيق انتصارات فى معارك صغيرة أو محدودة، ترفع الروح المعنوية للمقاتلين، ولأهل غزة حولهم، ممن يُشكّلون حاضنة اجتماعية للمقاومة، فيتعزّز صمودهم، ويقوّى إصرارهم على البقاء فى مكانهم، رافضين الاقتلاع أو التهجير القسرى.
4 - إبقاء المقاومة فاعلاً سياسياً فى أى ترتيبات لاحقة تخص إدارة قطاع غزة بعد الحرب، على العكس من سعى تل أبيب إلى إبعادها تماماً من المشهد السياسى والإدارى، حتى لو لم تُحقّق هدفها الذى أعلنته فى بداية الحرب من استئصال فصائل المقاومة.
5 - زيادة إنهاك الاقتصاد الإسرائيلى، الذى تأثر عميقاً بهذه الحرب، حيث ضُربت السياحة، وأُغلقت عشرات الآلاف من الشركات الصغيرة، وزاد العبء على الموازنة العامة إثر تخصيص أموال لإيواء النازحين بسبب الحرب، سواء من غلاف غزة، أو من شمال إسرائيل الذى يتلقى ضربات منتظمة من المقاومة اللبنانية.
6 - تعميق إدراك المواطنين فى إسرائيل للورطة الأمنية التى يعيشونها، إثر تأكدهم من عجز الجيش عن تحقيق الحماية المطلقة لهم، وفق ما يُعولون عليه دوماً، ويثقون فى تمكنه من منع أى أذى من أن يطولهم أو يلحق بهم. وسيؤدى هذا مع الأيام إلى زيادة معدلات الهجرة من إسرائيل، لتتحول إلى دولة طاردة، بعد أن ظلت سنوات طويلة دولة جاذبة لليهود من مختلف أرجاء العالم.
7 - يُبقى الاستنزاف القضية الفلسطينية ملتهبة لدى أصحاب الضمائر فى العالم بأسره، إذ إن إسرائيل سترد بعنف وقسوة على عمليات المقاومة المستمرة، مفرّغة طاقتها الغضبية فى المدنيين كالعادة، وهو السلوك الذى جلب تعاطفاً مع تضحيات الفلسطينيين، وجعل إسرائيل تخسر معركة الصورة التى ربحتها على مدار عقود من الزمن.
لقد اعتاد الجيش الإسرائيلى الحروب الخاطفة، أو الاستنزاف المحدود الذى يُطوقه سياج حمائى يقوم به العملاء المسلحون المنظمون، أو ذلك الذى يندلع ضد جيش نظامى يسهل مع الوقت تحديد أنماط عملياته، وطبيعة اختراقاته، ونوع ضرباته، لكنه يجد نفسه الآن فى قطاع غزة يواجه تجربة جديدة عليه، زادت قسوتها بالنسبة له من قدرة المقاومة على الصمود نحو أحد عشر شهراً.
لكن حرب الاستنزاف لا تجرى فى اتجاه واحد بالطبع، فالجيش الإسرائيلى يريد استنزاف المقاومة أيضاً، لاسيما بعد الحصار المطبق الذى فرضه عليها، معولاً على صعوبة حصولها على السلاح اللازم لمواصلة المعركة، والتمكن من قتل كثير من مقاتليها المدربين جيداً. لكن، رغم قسوة الظروف، فإن التأثير السلبى للاستنزاف على قوة تمارس «حرب عصابات» أقل منه لدى جيش نظامى، لاسيما أن المقاومة تعرف أرض المعركة جيداً، بينما الجيش الإسرائيلى يحاول تحقيق أهدافه فى أرض غريبة عليه نسبياً.