تقدم قصة «أصحاب أيلة» نموذجاً لنوع من البشر يظن أن بمقدوره خداع السماء، نموذجاً لمن يوصفون بـ«الشطار» الذين لا يكتفون بالنصب على الأرض، بل يمدون نشاطهم إلى السماء.تبدأ أحداث القصة فى قرية «أيلة» التى تميزت بموقع فريد على البحر الأحمر، وفّر لأهلها شواطئ ممتدة للصيد، وكان من يعيشون فيها من المتمسكين بشريعة التوراة التى تحرم العمل يوم السبت، وما إن كانت تهل ساعاته حتى يتوقفوا تماماً عن الصيد، فكانت الحيتان تشعر بالأمان فتتكاثر بصورة مدهشة على الشواطئ، وتسبح آمنة مطمئنة، وتختفى بالطبع أو تشح باقى أيام الأسبوع.حيتان السبت كانت تمثل إغراء لا يقاوم لأهل أيلة، كانوا ينظرون إليها ويطمعون فى اصطيادها، ثم يفكرون فى تعاليم السماء فيتراجعون، بعض دهاتهم فكروا فى المسألة وسألوا: لماذا لا نتحايل على السماء فنعلق المصائد للحيتان يوم الجمعة، لتصطادها حين تأتى يوم السبت، ونجمعها يوم الأحد؟. يقول «ابن كثير»: «نصبوا الحبال والشباك والشصوص وحفروا الحفر التى يجرى معها الماء إلى مصانع قد أعدوها إذا دخلها السمك لا يستطيع أن يخرج منها، ففعلوا ذلك فى يوم الجمعة، فإذا جاءت الحيتان مسترسلة يوم السبت علقت بهذه المصايد، فإذا خرج سبتهم أخذوها». يقول تعالى: «وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِى السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ».فرح فريق من أهل «أيلة» بالحيلة وبالمكاسب التى سيحصّلونها عن طريق اصطياد الحيتان يوم السبت، لكن فريقاً آخر رفض هذا الاحتيال على السماء، انطلاقاً من أن من يظن أن بإمكانه خداع السماء هو ساذج أو جاهل ليس أكثر، فالله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور. نصح العاقلون هؤلاء الجهلاء بضرورة التراجع، وأفهموهم أنهم يخدعون أنفسهم ولا يخدعون الله، وظلوا على ذلك دهراً، كان ثمة فريق ثالث يراقب الفريقين، وتعجبوا من هذا الإصرار من جانب الناصحين على النصح، رغم إصرار المحتالين على النصب، فكان ردهم أنهم يفعلون ذلك كى يعذروا إلى الله بالأساس، ولديهم بعض الأمل فى أن يستجيب المحتالون لهم. قال تعالى: «وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ».لعبة الاحتيال على السماء لعبة قديمة متجددة لعبتها العديد من الأجيال، بدءاً من أهل أيلة، الذين لعبوها من أجل أن يربحوا الحيتان، وانتهاءً بفريق يظهر فى كل جيل، يفعل كل الأضاليل، ويأكل الحقوق، ويسرق وينهب وينصب، ويفعل كل الموبقات، ثم يهرول إلى الوقوف فى صفوف المتعبدين أو الحجاج أو المعتمرين، ظناً منه أنه سوف يعود من رحلة العبادة مغفور الذنب كيوم ولدته أمه، هؤلاء الذين يمثلون على السماء التقوى والنقاء، ولا يفكرون فى أن الله يعلم سرائرهم، أشبه فى ألعابهم بالقرود التى تمثل الأخلاق والأدب فى الظاهر، وهى من داخلها لا تعرف أخلاقاً ولا أدباً.فى هذا السياق نستطيع أن نفهم الآية الكريمة التى تقول: «فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ». فالوصف يقع فى سياق التشبيه التمثيلى المجازى، ينقل «ابن كثير» فى «البداية والنهاية»: «وقد روى ابن أبى حاتم وابن جرير من طريق ابن أبى نجيح عن مجاهد أنه قال مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة وخنازير وإنما هو مثل ضربه الله كمثل الحمار يحمل أسفاراً».