يمثل الارتقاء بالبشر، الذى تجسده تنمية الفرد والمجتمع، قاعدة صلبة تتأسس عليها أعمدة السياسة والاقتصاد والثقافة، فالمجتمع هو من يرفد البنى والأنظمة داخل الدولة بأسباب الوجود، ووسائل التحقق والاستمرار. فمن ينهضون بالعمل السياسى، ومن يديرون الموجودات المادية والرمزية، ومن يصنعون المعرفة والوعى، كلهم أتوا من رحم المجتمع، وكل فرد فيهم تعرض لأساليب التنشئة السارية فيه، وتشربها فسكنت سماته وقسماته.
وتحتاج مصر، بلا انقطاع، وبعزم لا يلين، إلى تنمية اجتماعية تقوم فى المنشأ على جهد الأسرة، وتشارك فيها المؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية والثقافية، وهيئات المجتمع المدنى، بما فيها النقابات المهنية والعمالية، والأحزاب السياسية، وتضطلع مراكز البحوث الاجتماعية والجنائية المتخصصة بدور مهم فيها، عبر رصد الاتجاهات، والوقوف على التغيير الذى يطرأ على القيم، فتدرس هذا وفق منهج علمى، فتعرف الأسباب، وتقدر الآثار، وتقدم التوصيات والمقترحات، وتصيغ البرامج، التى تنطوى على إجراءات محددة لتنفيذها على أرض الواقع، وتدرك التحديات الاجتماعية القائمة، فيساعدها ذلك على تحديد الأولويات، ورسم ملامح خطة بعيدة المدى للارتقاء بأحوال مجتمعنا، تنقسم إلى أهداف، ينادى كل هدف مطالبه ورجاله أو الجهات المنوط بها تحقيقه، على أن توفر الحكومة التمويل المالى اللازم والكافى لإعداد كل هذا.
فى هذا الشأن، تولد ضرورة لهيكلة وزارة التضامن الاجتماعى، بحيث تصبح وزارة للتنمية الاجتماعية، وتكون المؤسسة التى تجمع الأفكار، وتنسق الجهود، الرامية إلى تحقيق هذه الغاية، على أن تصدر تقريراً سنوياً، يتسم بالنزاهة والاستقامة العلمية والشمول، عما تم القيام به فى هذا المجال، يذكر صراحة التحديات وأوجه النجاح والإخفاق، ليُعرض على السلطة التشريعية بغرفتيها، الممثلتين فى مجلسى النواب والشيوخ، كى تناقشه وتقره.
ومن الأهداف الضرورية للتنمية الاجتماعية:
1- الحفاظ على المرتكزات الأساسية لهويتنا متعددة المنابع والروافد والتى تنصهر فى سبيكة واحدة، وكذلك السمات العامة الراسخة للشخصية المصرية، بغية تعزيز الانتماء الوطنى على أساس سليم.
2- تحديث وحماية منظومة القيم، والمبادئ الأخلاقية، والعمل على ترجمتها فى سلوك الأفراد، ومعالجة ما يعتريها من تغيرات سلبية من شأنها إضعاف التماسك الاجتماعى، وتهديد بنيان الأسرة، وتدهور العلاقات الإنسانية، مثل تفشى الجريمة والانحرافات والممارسات الشاذة، وانتشار الأفكار والتيارات التى تهدد السلم المجتمعى، وتعرقل التنمية، وأشكال الفساد الاجتماعى مثل التطرف والغلو والتمييز والغش والتدليس والاحتكار والاستغلال والتحرش والتنمر.. إلخ.
3- احترام الكرامة الإنسانية، التى هى أصل فى الوجود الإنسانى كله، وفى مقدمتها ضمان حقوق الإنسان بتعدد جوانبها.
4- توفير حياة اجتماعية إيجابية، تقوم على وجود نمط معيشة أكثر راحة، يحققه شعور المواطنين بالأمن، وتوافر فرص العمل بأجور جيدة، وفتح الباب أمام آليات الحراك الاجتماعى الصالحة مثل التعليم والعمل وحسن توظيف الثروات الشخصية الموروثة أو الناتجة عن الاجتهاد وبذل الجهد.
5- إقامة العدل المجتمعى، بمواجهة كل أسباب وأساليب التحيز على أساس القرابة أو الصحبة أو المحسوبية والرشوة، والتمييز على أساس الدين أو المذهب أو العرق أو النوع أو الجهة.
6- إقامة المجتمع الآمن، عبر محاربة الجريمة الفردية والمنظمة، وإعلاء سيادة القانون، وحماية كل ما يقوم به الإنسان فى سبيل نيل حقوقه، والتقليل من العنف الأسرى والمجتمعى. وكذلك من خلال محاربة الفقر والعوز والتهميش الذى يجعل الفرد قلقاً على حياته الشخصية وكل من يعول