دعوة الرياض إلى عقد قمة عربية إسلامية مشتركة بشكل استثنائى فى الرياض تأتى فى ظروف وتوقيت مهم للغاية كاستجابة تعكس موقفاً موحداً لهذه الدول تجاه الظروف الاستثنائية التى تشهدها المنطقة فى ظل استمرار وحشية عدوان الكيان الصهيونى متجاوزاً كل الأعراف الدولية. المشهد السياسى المضطرب أصبح يفرض موقفاً موحداً جماعياً من قادة الدول كقوة تحمل الكثير من نقاط الضغط لفرض مشروعها العربى المستقل على دولها مقابل كل هذيان اليمين الإسرائيلى المتطرف عن منظومة تشكيل أمنى جديد للمنطقة! الاعتداءات المستمرة على غزة، لبنان، اليمن، سوريا -وقد تنضم العراق إلى القائمة- بالتأكيد تنذر بتصعيد خطير غير مسبوق ما يفرض سرعة تفعيل وحدة الموقف العربى الإسلامى لاحتواء تداعياتها. الملفات المطروحة على أجندة القمة تحمل أولويات إصدار قرار وقف فورى للعمليات العسكرية، وقف التهجير القسرى للشعب الفلسطينى، إقامة دولتين امتثالاً للأعراف والقوانين الدولية.
دلالة توقيت القمة يبدو مهماً للغاية، إذ يأتى اختياره بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الأمريكية ما يجعل ردود الفعل الدولية أكثر وضوحاً تجاه عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. بعيداً عن الاندفاع والتكهن حول قياس درجة تعاطف كلا المرشحين مع القضايا العربية، «ترامب» يبدو راغباً فى إنهاء الصراعات فى المنطقة، ليس من منطلق قياس تأييد أى رئيس أمريكى لإسرائيل، لكن من المنظور البراجماتى الذى سيشكل أغلب معالم السياسة الأمريكية القادمة. «ترامب» رجل صفقات يسعى إلى تحقيق أول نجاحاته على صعيد السياسة الخارجية فى وضع حد لجبهات الصراع سواء بين روسيا وأوكرانيا أو تلك الدائرة فى الشرق الأوسط، وهو ما لن يتحقق دون منح حقوق الشعب الفلسطينى فى دولة مستقلة. بالتالى فإن رغبة الرئيس القادم إلى البيت الأبيض فى إنهاء الحرب ستحدد وفق المصالح الاستراتيجية الأمريكية قياساً أيضاً على قوة وتأثير كتلة الدول العربية على هذه المصالح.
المأمول من هذه القمة أن تعكس قراراتها ما تنتظره الشعوب العربية من قوة وتوافق الموقف العربى وهو أمر ملزم يفرز تنحية الهواجس والحساسيات الهامشية. هو أمر ليس بعيداً عن التحقق تحديداً مع قيادة هذا المسار قوى مؤثرة هى مصر والسعودية بكل ما تحظى به الدولتان من تأثير وضغط سياسى واقتصادى. أن تطرح القمة مشروعها العربى السياسى والأمنى فى ترتيب المنطقة فى مقابل رفض ما قد يحمله «ترامب» من إعادة إحياء الاتفاق الإبراهيمى بمعنى عقد اتفاقيات سلام شاملة مع الدول العربية دون مقابل.مع التعنت المتكرر من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلى «نتنياهو» لإفشال كل الجهود المكثفة للوساطة التى لم تنقطع منذ 7 أكتوبر 2023 بقيادة مصر ومشاركة قطر، إعلان رفضه الصريح لحل إقامة الدولتين، وهو ما أكدته تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلى يسرائيل كاتس أن كيان فلسطين يجب أن يكون فى الضفة الأردنية وهى جزء من الأردن كما يريد انتقال سكان غزة بالكامل إلى سيناء المصرية! رافضاً بشكل مطلق الاعتراف بوجود أى دولة فلسطينية!
الدعوة إلى القمة تتزامن بعد إطلاق السعودية مؤتمراً دولياً حول إقامة دولة فلسطينية وهو الشرط الذى ما زالت السعودية تتمسك به بصلابة لأى مفاوضات حول التطبيع مع إسرائيل. بل قد يبدو التوقيت الحالى هو الأنسب لمراجعة وتعديل مسارات التعامل الدبلوماسى مع إسرائيل كورقة ضغط تحديداً وأن بنود التطبيع مع إسرائيل اقترنت بحق قيام دولة فلسطينية. مشروع البيان الختامى الذى سيرفع إلى القمة للنظر فى إقراره ستمثل بنوده قرارات جماعية للدول العربية والإسلامية، تعبيراً عن موقفها إزاء العدوان الصهيونى الوحشى، خصوصاً أن تصريحات مسئولى إسرائيل تشير إلى استمرار هذا العدوان على غزة ولبنان حتى الأشهر الأولى من العام القادم. فى المقابل تهاون وضعف المجتمع الدولى تجاه أحداث الشرق الأوسط قد لا يستبعد فتح جبهات جديدة مع عدم توقف شراهة الصهيونيين لمزيد من إراقة الدم العربى. وهو ما دفع القمة المقبلة إلى مطالبة المجتمع الدولى بتحمل مسئولياته لوقف العدوان الإسرائيلى وفرض حل الدولتين. إذ تؤكد حقائق التاريخ -لعل أقربها إلى الذاكرة ما حدث فى المنطقة العربية عام 2011- أن تغيير وجه الشرق الأوسط، وفق ما ذكره «نتنياهو»، لم يجلب سوى الخراب والفوضى والدمار على المنطقة نتيجة مخططات وتدخلات أطراف أجنبية. بل الأخطر أنه سيغذى موجة الاعتداءات والعنف كما حدث منذ أيام عند اعتقال موظفين من قنصلية فرنسا داخل كنيسة بالقدس، أو الاعتداءات التى حدثت بعد الهمجية المتعمدة من مشجعى كرة قدم فريق إسرائيلى فى عاصمة هولندا، هذه الأحداث التى تؤدى أى قراءة منطقية لممارسات اليمين التطرف الإسرائيلى أنها لن تكون الأخيرة.