كان من المفترض أن نناقش ما حدث فى الانتخابات الأمريكية الأخيرة فى إطار سياسى اقتصادى استراتيجى شامل، لكن النتائج التاريخية التى انتهت بها هذه الانتخابات يصعب وصفها إلا فى سياق رياضى كروى، لاسيما أن تاريخ هذه الانتخابات وما مرت من أحداث أثناء سنوات بايدن الأربع تجعل هذه النتائج ليست وليدة اللحظة، وتحمل عدداً غير قليل من الرسائل لمن يهمه الأمر!
قبل المباراة انهمك الفريق الديمقراطى فى التخطيط لاستبعاد الفريق المنافس ومنعه من الوصول للمباراة النهائية، انصب كل تركيزه وقواه الإعلامية والسياسية فى عرقلة المنافس، واستخدموا لأجل ذلك عدداً كبيراً من السيناريوهات التى تنوعت ما بين تقديم الشكاوى الوهمية والقضايا الكيدية وشراء ذمم الأجهزة الإدارية والفنية للمنافس، وامتدت لثلاث محاولات اغتيال خلال الحملة الانتخابية فى عمل يفتقد للروح الرياضية التى يتغنى بها الفريق الديمقراطى بداعٍ أو بدون داعٍ!
ولكن الفريق الجمهورى تغلب على كل هذه الصعاب، ونجح فى الوصول إلى المباراة النهائية، وبدا منذ اللحظات الأولى أنه الفريق الأقرب للفوز والأكثر استعداداً للمباراة، هنا قرر الفريق الديمقراطى إجراء التغيير الأول بعد دقائق من بدايتها، ودفع بالمهاجمة الواعدة كامالا هاريس بدلاً من جو بايدن الذى تأثر أداؤه فى الملعب بعوامل عديدة مثل الشيخوخة وألزهايمر، صحيح أن «ترامب» خبير بالنساء ويجيد اللعب معهن فى المباريات النهائية، لكن الفريق الديمقراطى لا يملك رفاهية الوقت ولا الاختيار!
ورغم أن الفريق الديمقراطى قد اختار الملعب والجمهور والحكم والقنوات الناقلة، ورغم امتلاكه لأدوات التلاعب الإعلامى والانتخابى العديدة، إلا أن ما حدث فى ملعب المباراة كان مفاجئاً، الأهداف تتوالى داخل الشباك الديمقراطية، الفريق الجمهورى يسجل الهدف تلو الآخر ويسيطر على الولاية تلو الأخرى، لم يمر الشوط الأول إلا وقد سيطر «ترامب» على رئاسة الجمهورية بفارق ضخم من الأصوات!
بين الشوطين حاول مدربو الفريق الديمقراطى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بدأ التصويت بالبريد والأمريكيون فى الخارج والعسكريون يستعدون للعب فى الشوط الثانى، لكن يبدو أن الأمور قد حُسمت قبل بداية المباراة، ويبدو أن الفريق الديمقراطى كان يستعد طوال الوقت للعب مباراة كوتشينة أو دومينو، وفوجئ يوم المباراة فقط أنها مباراة فى كرة القدم، وظل الفريق الديمقراطى يستقبل الأهداف والولايات فى مرماه حتى انتهت المباراة بهزيمة مذلة وتاريخية، رئاسة ونواب وشيوخ، بالتلاتة يا حبيبى بالتلاتة!
الخبراء فى الاستديوهات التحليلية يتعجبون، كان من المفترض أن نشاهد نوعاً من المنافسة كعادة المباريات النهائية، كنا نتوقع أن تمتد المواجهة لوقت إضافى أو أن تنتهى بركلات الترجيح، كما يحدث فى مثل هذه المباريات، أشد المتفائلين الجمهوريين لم يتوقع أبداً أن تنتهى المباراة بثلاثة أهداف نظيفة، وأن تحسم الأمور بعد انطلاق المباراة بدقائق، وكانت المفاجأة الكبرى فى دول العالم التى تشاهد المباراة من الملعب أو أمام شاشات التلفاز وهى تدعم وتهتف «دى مش كورة، دى مزيكا»!
انتهت المباراة بهزيمة ثقيلة ستظل تلاحق الفريق الديمقراطى لسنوات عديدة، وقد تمثل هذه النتائج عقدة صعبة أمام الفريق قبل لعب المباريات النهائية، هزيمة تكلل سنوات «بايدن» الأربع بالفشل، محصلة نهائية للهزائم فى ملاعب السياسة والاقتصاد والإعلام الرقمى وحتى فى المنافسات الأخلاقية والإنسانية التى خسرها الفريق بدعمه لأجندات الصوابية السياسية وتبنى السياسات النيوليبرالية المعادية للفطرة السوية!
ورغم أن الروح الرياضية تستدعى أن نقول جميعاً للخاسر «هارد لك»، إلا أن الخاسر هذه المرة لا يستحق إلا المحاكمة الشعبية والإعلامية، التى ستقوده حتماً إلى مزبلة التاريخ!