احتفل الزملاء الأعزاء فى صحيفة «أخبار اليوم» الغراء، ومعهم كل عشاق مهنة الصحافة، بعيد ميلاد صحيفتهم (وصحيفتنا) العريقة وبلوغها سن العظمة الصحفية، 80 عاماً من العطاء المهنى المتميز، فقد أسّسها الشقيقان الأستاذان الكبيران مصطفى وعلى أمين سنة ١٩٤٤، ومنذ عددها الأول حملت الصحيفة على عاتقها قيادة الصحافة المصرية والعربية نحو التطوّر، فشكّلت «دار أخبار اليوم» ملامح مهنة الصحافة المصرية والعربية الحديثة، وتحولت إلى مدرسة صحفية رائدة ومُلهمة، تخرّج فيها أغلب أساتذة المهنة وكبارها المؤسسين، كما أثرت «أخبار اليوم» فى محيطها المحلى العربى، واستنسخت التجربة فى أكثر من بلد عربى.
بل إن أشهر الصحف العربية فى عصرنا الحالى، صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، نقلت الكثير عنها وطورته، وكان قد رسم ماكيتها التحريرى الأول ووضع لبنات البداية فى مشروعها كصحيفة إقليمية، الأستاذ مصطفى أمين بنفسه، وظل لسنوات ينشر عموده «فكرة» فى صفحتها الأولى ثم الأخيرة، وبشهادة مؤسسيها الشقيقين محمد وهشام على حافظ، اللذين أكّدا فى أكثر من مناسبة تأثّرهما الكبير بتجربة «أخبار اليوم»، وقد سمعت قصصاً كثيرة عن مدى هذا التأثر، بحكم عملى الممتد لأكثر من ١٤ عاماً فى صحيفة «الشرق الأوسط».
وقد تطورت تجربة «الأخوين أمين» من صحيفة أسبوعية إلى يومية، ثم بعدها توالت إصداراتها المختلفة والمتنوعة، لتتحول إلى مؤسسة صحفية كبيرة متعدّدة الأنشطة الصحفية والتجارية، فامتلكت أكبر المطابع، وكان لديها أسطول من سيارات التوزيع، ومنافذها الممتدة بطول مصر وعرضها، ثم أصبح لها جامعة أهلية تحمل اسمها. وقبل ذلك كانت قد ترسّخت كمدرسة صحفية مغايرة للسائد فى زمانها، فقد أحدث ظهورها الأول فى شارع الصحافة ثورة فى المهنة، استقطبت الكثير من المواهب الصحفية وشبابها الواعد الذين تخرّجوا نجوماً وأسماءً لامعة تألقت فى فضاء «صاحبة الجلالة».
ولم تكن مصادفة أن يتزامن العيد الـ80 للصحيفة العريقة مع وصول ثلاثة من أبناء «أخبار اليوم» النابهين إلى مقاعد القيادة فى المؤسسة الصحفية الكبيرة، ليمثلوا تأكيداً على عظمة مدرسة «أخبار اليوم» وقدرتها السحرية على خلق جيل جديد من أبنائها الصحفيين المبدعين، الذين تحقّقت فى ظل قيادتهم خلال شهور قليلة طفرة مهنية وقفزة تطويرية أعادت مجد جيل المؤسسين الأوائل لهذه المدرسة التى تستحق أن يفخر بها كل مصرى، وليس فقط المشتغلين بمهنة الصحافة وعشاقها، فكل التحية والتقدير للزملاء الأعزاء إسلام عفيفى، رئيس مجلس إدارة «أخبار اليوم»، ومحمود بسيونى، رئيس تحرير صحيفة «أخبار اليوم»، والدكتور أسامة السعيد، رئيس تحرير صحيفة «الأخبار»، الفرسان الثلاثة الذين عاد بهم ألق «أخبار اليوم» وجمال إطلالتها الصحفية.
وفى كتابه المهم «كنوز صحفية»، الذى أنقذ به الكاتب الكبير علاء عبدالهادى إرث «أخبار اليوم» الغالى من صناديق القمامة، ونجح فى أن يجمعه بكتاب شديد الأهمية، يستحق أن يكون مقرّراً على كل كليات الصحافة ومعاهدها، فهو يجمع بين دفتيه بعض محاضر «اجتماع الجمعة» المهم الذى يُعد، وحسب وصف الكاتب، إحدى ركيزتى نجاح «أخبار اليوم»، بالتوازى مع «شخص التوأم»، وهذا الاجتماع يُعد أخطر اجتماع فى تاريخ الصحافة المصرية. ويقول «عبدالهادى» فى مقدمة كتابه: «هذا الاجتماع المقدّس أسبوعياً كان بمثابة جامعة حقيقية تربى فيها هؤلاء النجوم، تلقوا مبادئ الصحافة، نظرياً وعملياً.. عرفوا تاريخ الصحافة، وتشرّبوا الأخلاق الصحفية». وأنقل بعض الكلمات المؤثرة للأستاذ الكبير مصطفى أمين، رحمه الله، من هذه الاجتماعات: «كل شخص لا يعمل بالصحافة 24 ساعة، ممكن أن يختار عملاً آخر!، إنما مهنة الصحافة تحتاج إلى عمل مستمر»، «الصحافة مجهود وابتكار وخلق، الصحفى يمشى على شوك لا على بساط!!، إن الخبر المهم دائماً تُغلق عليه الأبواب..!، والخبر التافه أبوابه دائماً مفتوحة!، والحيلة الصحفية ضرورية للحصول على الخبر المهم». وعن جدوى الاجتماعات وأهميتها للعمل الصحفى، يقول الأستاذ مصطفى أمين فى اجتماع بتاريخ ٢٨ نوفمبر سنة ١٩٥٨: «هذا الأسبوع اضطررنا إلى عمل إجراء لأول مرة.. وهو نظراً لأن المحررين لا يحضرون الاجتماع الصباحى فقرّرنا خصم 50 قرشاً عن كل يوم لا يحضره. والسبب أن الاجتماع الصباحى مهم!، قد يعتقد البعض أنه ليست له أهمية ولا يستفيد منه المحرر، والغلطة هى غلطة المحرّر لا الاجتماع فى عدم الاستفادة، لأنه يحضر دون استعداد، وفاكر أن الاجتماع آلة كاتبة، وأن رئيس قسم الأخبار يدق عليها فتخرج الموضوعات، الفكرة أن الاجتماع ليس مساعدة للمحرر نفسه، وإنما مساعدة لباقى الزملاء!، الفكرة فى هذا الاجتماع تكون بسيطة، وبالمناقشة تتحول إلى فكرة عظيمة، وكلما كان العدد الموجود أكبر، أمكن أن تصل الفكرة إلى النجاح. الواقع أنه ثبت أن الاجتماع لا يُعطل الصحفى الذى يريد العمل».
وسيستمر عطاء «أخبار اليوم»، الاسم الخالد فى قلوب المصريين الذى نجح العملاق مصطفى أمين فى أن يجعله شريكاً مؤثراً فى حياتهم، بفضل فلسفته الأصيلة المرتكزة على «أنسنة» الصحافة، وتحويلها إلى جسر خيرى ورابطة أبدية بين كل فئات المجتمع، ولا يزال باب «لست وحدك» الشهير قلباً نابضاً يؤكد عمق الفكرة وأهميتها، والذى يخرّج منه الكثير من مسارات الخير التى حقّقت بها المهنة جانباً مهماً من رسالتها تجاه المجتمع.