يستيقظ من نومه عقب أذان العصر، على ما يبدو فإنه قام بضبط بوصلته يومياً على هذا الموعد، ما إن يبدأ فى تفتيح عينيه حتى ينظر إلى تليفونه المحمول الموجود بجواره، يمد يده ويمسك بالتليفون ويبدأ فى تصفح المكالمات التى جاءته والرسائل النصية التى جاءت له على الواتس آب، يتفاجأ بعدم وجود أى مكالمات هاتفية فائتة وعدم وجود رسائل على الواتس آب، يتذكر بأنه قال لأصدقائه المقربين الذين يلتقيهم على الكافيه إنه يستيقظ عقب أذان العصر، يظل راقداً ممدداً على سريره وهو يمسك بتليفونه المحمول ليتصفح وسائل التواصل الاجتماعى كالآتى: «فيس بوك» لفترة قصيرة، «إكس» لفترة أقصر، «إنستجرام» لفترة طويلة، لكن «تيك توك» يحصل على نصيب الأسد من وقته.
يباغته صوت أذان المغرب وهو ما زال يمسك بتليفونه المحمول لمشاهدة «تيك توك»، وهو مبتسم مما يراه، وفى بعض الأحيان يضحك، وفى أحيان كثيرة يفطس من الضحك، فيبدو أنه أدمن السوشيال ميديا، وأدمن مشاهدة رقصات المراهقات على أغانى المهرجانات وحركاتهن اللولبية.. هنا بدأ تليفونه المحمول يرن.. يتلقى مكالمة من صديق له ليخبره بأن جاره المريض أرسل شكوى لمنظومة الشكاوى فى مجلس الوزراء وتمت الاستجابة له ويعالج الآن فى مستشفى حكومى دون دفع مليم واحد، يعقب هذه المكالمة مكالمة أخرى من صديق آخر له يخبره فيها بأن ابن أخته تفوق فى دراسته الجامعية وقام بالتقديم فى «الأكاديمية الوطنية للتدريب والتأهيل» ونجح فى الاختبارات وانضم بدون واسطة.. مكالمة أخرى يستقبلها من صديق آخر يقول له: تم البدء اليوم فى تطوير قريتى فى الصعيد ضمن مبادرة «حياة كريمة».. مكالمة أخرى يستقبلها من أحد أقربائه يقول له: بارك لى أنا كنت مقدم على الموقع الإلكترونى لوزارة الإسكان واسمى نزل ضمن الشباب الذين توافرت فيهم الشروط للحصول على شقة فى الإسكان الاجتماعى بدون واسطة.. بدأت علامات الغضب تظهر على وجهه، وفجأة رن تليفونه مرة أخرى وحينما جاء يرد قُطع الخط ليكتشف أن تليفونه فصل شحن.. وضعه فى الشاحن وذهب ليتناول طعامه وكانت الساعة اقتربت من السابعة مساءً.
يمر وقته بدون فائدة، يضيع وقته هدراً، تقريباً لا يعمل عملاً ملموساً، يحصل على إعانات من مقربين منه نظير اتخاذ مواقف مشددة معارضة للدولة ومناوئة لكل شىء فى «مصر»، يدَّعى أنه (مناضل سياسى) رغم أنه لم يقرأ فى حياته «ربع كتاب» ولا «نصف مجلة» ولا حتى «صفحة فى جريدة»، يتصرف وكأنه (أبوالعُريف) الذى يعلم كل شىء ومن حوله لا يفقهون أى شىء فى أى شىء.
هنا أتحدث عن (أبوالعُريف)، هو نموذج لشخصية موجودة فى حياتنا، ليس لديه وقت للقراءة أو الاطلاع، لا يقبل الرأى الآخر، لا يطيق الحوار مع من يعارضه، ومقتنع فقط بوجهة نظره رغم أنه لا يتابع الأحداث، لا يعرف البناء، وكل ما يعرفه هو الهدم، سلبى إلى أقصى درجة، نظرته سوداوية، حينما يرى الإنجازات تزداد ضربات قلبه ويزداد احتقاناً وغضباً، حينما يرى الغلابة يتم علاجهم على نفقة الدولة ويحصلون على مسكن مناسب ومعاش مناسب يليق بهم يرتعش ويغضب من تطبيق العدالة الاجتماعية التى كان هو شخصياً يطالب بها ويحمل راياتها ويعتبرها شعاره الذى كان يتاجر به ويأكل من ورائه «عيش فينو».
(أبوالعُريف).. يخرج منه كلام غير مسئول وخاطئ وليس به منطق ولا يتناسب مع الواقع ولا يتناسب مع المسئوليات التى لا بد أن يعيها حينما يتفوه بما يتفوه به، إنه -بالفعل- مجرد ظاهرة صوتية فقط، حنجرة يخرج منها كلام هراء غير مسئول وكلام غير متزن، لذلك أقول له: (بَشِّر ولا تُنَفِّر، التفاؤل مطلوب، اخلع النظارة السوداء التى ترتديها، وقبل كل شىء: اعمل من أجل نفسك ووطنك لأن العمل عبادة والفراغ قاتل).