والإخوة هما عبدالله بن الزبير، وعمرو بن الزبير، وأبوهما هو الزبير بن العوام الملقب بـ«حواري رسول الله». أنجب الزبير ولده «عبدالله» من «أسماء بنت أبى بكر»، وأنجب «عمرو» من «أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص بن أمية». هل كان لـ«العرق» -تأسيساً على مقولة العرق دساس- دور فى العداء الذى استعر بين الشقيقين، وجعل كلاً منهما يقف بسوطه وسيفه فى وجه الآخر؟ كل ما يمكن أن نقرره فى هذا السياق أن جد عبدالله بن الزبير لأمه هو «أبوبكر الصديق» أول الخلفاء الراشدين، وجد عمرو بن الزبير للأم هو «خالد بن سعيد بن العاص»، وثمة موقف تحكى عنه كتب التراث جمع ما بين الجدين: أبوبكر وخالد.
يحكى «ابن كثير» فى «البداية والنهاية» أنه لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان سعيد بن العاص باليمن، فلما رجع منها دخل المدينة وعليه جبة ديباج، فلما رآها عمر عليه أمر مَن هناك من الناس بتحريقها عنه، فغضب خالد بن سعيد، وكان على بن أبى طالب حاضراً المشهد فقال له خالد: أغلبتم يا بنى عبد مناف عن الإمرة؟ فقال له على: «أمغالبة تراها أو خلافة؟»، فقال: لا يغالب على هذا الأمر أولى منكم، فقال له عمر بن الخطاب: اسكت فض الله فاك، والله لا تزال كاذباً تخوض فيما قلت ثم لا تضر إلا نفسك، وأبلغها عمر أبا بكر فلم يتأثر لها أبوبكر». ويحكى «ابن كثير» بعد ذلك العديد من المواقف التى تدلل على أن أبا بكر لم يأخذ أى موقف من خالد بن سعيد بسبب مقالته هذه.
الأصل كان غلاباً فى الحالتين، فالزبير بن العوام كان أسدياً قرشياً، وهو ابن صفية بنت عبدالمطلب، عمة النبى صلى الله عليه وسلم، أما خالد بن سعيد، فهو أموى الأصل والانتماء. ولعلك تعلم الصراع الذى نشب بين الأمويين والهاشميين على الخلافة بعد اغتيال عثمان رضى الله عنه. وظنى أن هذا الصراع انعكس على العلاقة بين الأخوين الذى عادى أحدهما الأمويين، وهو عبدالله بن الزبير، الذى وقف مع أبناء كبار الصحابة، مثل الحسين بن على، وعبدالله بن عمر، وعبدالرحمن بن أبى بكر، وغيرهم ممن لم يرق لهم توريث حكم معاوية لولده يزيد والسيف فوق رقاب العباد، فى حين ناصر الآخر، وهو عمرو بن الزبير، الأمويين وانحاز لهم، وأيّد يزيد بن معاوية، بل وعمل تحت إمرته.
ورث عبدالله بن الزبير عن أبيه حلم الخلافة، فقد كان الزبير يحلم به، وتألق حلمه، حين اختاره عمر بن الخطاب ضمن الستة أصحاب الشورى، لكنها لم تصل إليه، وظنى أن «أسماء» كانت تشارك «الزبير» ثم ولدها «عبدالله» فى هذا الحلم، وبعد مقتل «الزبير» فى موقعة الجمل، تبنى عبدالله ولده هذا الحلم، ورسخته بداخله أمه «أسماء»، أما عمرو بن الزبير، فقد كان يعارض انحيازات أبيه، ولم يقتنع أيضاً بخروج أخيه عبدالله بن الزبير على «يزيد»، لكن العجيب فى موقفه من شقيقه، هو ما أصر عليه من أن ينهى حركة التمرد التى قادها بيديه، وصمم على حمل السيف ضده، واللافت أن عبدالله بن الزبير هو الآخر كان حريصاً على قتل أخيه.
إنها القصة القديمة المتجددة لـ«الإخوة الأعداء».