لا أخفى سراً أننى كنت أتمنى فوز ترامب فى الانتخابات الأمريكية، على أمل أن ينجح فى وقف الحرب فى غزة ولبنان وحلحلة الأزمات والصراعات التى أسهم فى إشعالها وفشل فى حلها بايدن.. وبعد نجاحه تزاحم فى رأسى الكثير من التساؤلات: ماذا بعد؟ وماذا سيفعل فى الملفات الثقيلة التى تنتظره؟ وكيف يفى بوعوده للأمريكان ولإسرائيل وللعرب والمسلمين؟ وما موقفه من الصين وروسيا وأوكرانيا وإيران؟ وماذا عن حكومته وفريق عمله بعد ابتعاد ابنته ومستشارته الأهم إيفانكا عن المشهد، وإعلانها اعتزال السياسة؟، وهل ينجح فى إعادتها إلى فريقه الرئاسى من جديد؟!
على عكس كل التوقعات، وخلافاً لكل مؤشرات استطلاعات الرأى، حقّق ترامب انتصاراً كاسحاً، ليصبح الرئيس رقم 47 لأمريكا.. حقّق انتصاراً رباعى الأبعاد.. فاز على غريمته كامالا هاريس وحقّق حزبه الأغلبية الساحقة فى مجلسى النواب والشيوخ وقيادة معظم الولايات الأمريكية.. رقص ترامب رقصته الشهيرة أثناء إلقاء خطاب النصر الذى حدّد فيه ملامح أولويات حكمه فى الولاية الثانية، وحسب الدستور الأمريكى، لن يكون ترامب رئيساً إلا يوم 17 ديسمبر القادم عندما يُصوت له المجمع الانتخابى، الذى يضم 538 شخصاً، ولا بد أن يحصل على أصوات 270 منهم على الأقل، حتى لا يحدث معه ما حدث مع ٥ رؤساء أمريكيين من قبل، فازوا فى تصويت الشعب وأقاموا الاحتفالات والليالى الملاح وحدثت المفاجأة أن سقطوا فى المجمع الانتخابى، وهم هيلارى كلينتون أمام ترامب نفسه فى ولايته الأولى، عندما فازت فى الانتخابات الشعبية، لكنها خسرت فى المجمع الانتخابى، وكذلك بوش أمام آل جور، وفورد أمام تيلدن، وكليفلاند أمام هاريسون، لكن كل المؤشرات تؤكد أن ذلك لن يحدث مع ترامب الذى يقبض على مقاليد الأمور ويضمن الفوز باكتساح فى المجمع الانتخابى أيضاً.. لذلك بدأ مبكراً تشكيل حكومته الجديدة وفريق عمله، انتظاراً لتسلم السلطة رسمياً يوم 20 يناير المقبل.
والسؤال الذى يفرض نفسه: ماذا عن تبعات فوز ترامب داخل أمريكا وخارجها؟
فى الداخل يحلم الأمريكان بأن يُحقق ترامب وعوده بأن تعود أمريكا عظيمة، وأن يُحقق طفرة اقتصادية تحقّق لهم الرفاهية وأن يقضى على الهجرة غير المشروعة، وأن يوقف الحروب التى استنزفت الأموال والأسلحة الأمريكية.
أما فى الخارج، فهناك حالة من القلق تسيطر على أوروبا التى تعلم أن ترامب أتى لوقف حرب أوكرانيا وتحميل الفاتورة للقارة العجوز، وهناك حالة من الذعر فى أوكرانيا التى فقدت حليفها الدائم بايدن، وسعادة فى روسيا التى تحلم بتحقيق أهداف الحرب بضم الأراضى التى ضمّتها من أوكرانيا، وفى الصين هناك حالة من الترقّب الحذر، وإسرائيل تحتفل، والعرب متفائلون ويترقبون تنفيذ وعوده الانتخابية بوقف الحرب فى غزة ولبنان، وهو القادر على ذلك.
سؤال آخر فرض نفسه: كيف حقّق ترامب هذا النصر الكاسح؟
أقول إن بايدن نفسه هو أول من دقّ مسماراً فى نعش حزبه بعد أن تمسك بالحكم رغم إصابته بألزهايمر وعدم القدرة على الحركة، حتى استبعده الحزب مضطراً، ورشح كامالا هاريس بعد فضيحته فى مناظرة ترامب.. السبب الثانى هو ضعف هاريس وتشجيعها حق الإجهاض وعدم قدرتها خلال 3 أشهر من الدعاية الانتخابية على كسب ثقة الأمريكيين.. ثالثاً رغبة الأمريكيين فى عودة أمريكا عظيمة وتحقيق التقدم الاقتصادى والرفاهية.. رابعاً الصوت المسلم فى ولاية ميتشجن المتأرجحة أسقط هاريس لدعمها إبادة الشعب الفلسطينى فى غزة، ورفع أسهم ترامب فى رسالة ذات مغزى ومعنى.