فى حملته الانتخابية، طرح الرئيس المنتخب لولاية ثانية دونالد ترامب، الذى سيتقلد منصبه فى 20 يناير العام المقبل، وطوال حملته قدّم الكثير من الوعود التى سيُنفذها حال فوزه بالرئاسة داخلياً وخارجياً، لذا يواجه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب المنتخب حديثاً تحديات كبيرة على المستوى الخارجى فى ملفات أصبحت أكثر تعقيداً، بداية من الحرب المشتعلة فى الشرق الأوسط والحرب الدائرة فى غزة ولبنان بين إسرائيل وحماس وحزب الله، والبرنامج النووى لإيران، بالإضافة إلى الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا منذ عامين، وقارة أوروبا المعتمدة على حماية حلف الناتو، فضلاً عن العلاقة مع الصين وملف الهجرة غير الشرعية، وتعهده بترحيل جماعى للمهاجرين غير المسجلين.
وتُعدّ إسرائيل والحرب فى الشرق الأوسط من أهم الملفات التى ستواجه ترامب، الذى أكد أنه سيوقف الصراع فى المنطقة عندما يصل إلى البيت الأبيض. وهناك تحدٍّ آخر سيواجه الرئيس الجمهورى وهو الملف النووى الإيرانى، الذى سبق وألغى اتفاق واشنطن مع طهران فى عام 2017. ويظل الملف العاجل والأكثر أهمية هو كيفية إنهاء الحرب المستعرة على قطاع غزة، خاصة أن ترامب أكّد أكثر من مرة أنه سيعمل على إنهاء الحروب وليس إشعالها، لكنه لم يقُل كيف سيفعل ذلك؟ فهو الذى اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس فى ولايته الأولى، ورغم أن نتنياهو وصف ترامب بعد فوزه فى الانتخابات بأنه أفضل صديق حصلت عليه إسرائيل فى البيت الأبيض على الإطلاق، فهل سيستجيب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لسياسة ترامب التى تعتمد على التفاوض المبنى على المصالح لأكثر من طرف؟
لم يعهد الرأى العام العالمى ولا حتى الأمريكى المحلى، صدقاً كاملاً فى تعهدات الرئيس بعد انتخابه، وغالباً ما يتحلّل رؤساء الولايات المتحدة من تعهداتهم ووعودهم بطريقة أو بأخرى، مستندين فى الغالب إلى أن البوصلة التى تقود وتحرك سياساتهم تتلخص فى رضا الداخل الأمريكى عن الإدارة، فهذا فى نظرهم العنصر الحاسم فى ضمان البقاء على رأس السلطة، وعليه فمن المرجّح أن سياسات ترامب تجاه الصراع فى الشرق الأوسط سوف لن تتباين إلى حد كبير مع سياسات بايدن، إلا فى تزايد احتمالات توجيه ضغوط أكبر على الجانبين الفلسطينى واللبنانى لمصلحة إسرائيل، ويبدو أن ترامب سيحاول تجنيد أطراف محايدة لصالحه ولممارسة أقصى حد من الضغوط على حماس وحزب الله، وفى هذا الإطار يمكن فهم ما أوردته «رويترز» عن اعتزام قطر إبعاد قادة حماس من أراضيها، وفى الحقيقة فإن بيان الخارجية القطرية، وإن جاء فى صيغة نفى، إلا أنه بالقراءة الدقيقة يتضح أن مثل هذه الخطوة ستكون محتمَلة خلال الأسابيع القادمة، فالبيان القطرى كان مفاجئاً إلى حدٍّ ما، حينما اتهم الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى بعدم الجدية فى المفاوضات، إضافة إلى التلميح القطرى شبه الواضح بالانسحاب من دور الوساطة فى المفاوضات، وبأن الدوحة ترفض أن تُستغل وساطتها لابتزازها، وهو ما يؤكد أن واشنطن تُمارس ضغطاً فعلياً على قطر، لإبعادها عن القضية برمتها مما يُفقد حماس ظهيراً عربياً نشطاً وفاعلاً على المستوى العربى والدولى، وفى ظن واشنطن أن هذه الخطوة قد تُرغم حماس على تليين مواقفها إزاء الشروط الإسرائيلية لوقف إطلاق النار.
من جهة أخرى، ترجّح مصادر أمريكية أن يتّجه ترامب إلى موسكو بهدف إقناع بوتين بإلزام السوريين بمنع شحنات الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله، مقابل تخفيف الدعم الأمريكى والأوروبى لأوكرانيا، وفى أسوأ الأحوال أن تلتزم الولايات المتحدة بألا يصل أوكرانيا من أسلحة إلا الدفاعية منها، لكن من غير المعروف بعد كيف ستتصرف موسكو إزاء عرض من هذا النوع، خاصة أنها باتت أقرب إلى التحالف مع إيران التى أصبحت مصدراً رئيسياً لتوريد المسيرات والصواريخ الدقيقة إلى روسيا.
وفى ما يتعلق بالجوانب الأخرى من الحرب على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية فإنه سيكون من السذاجة الاعتقاد بأن ترامب سيكون قادراً على وقف الحرب بشروطها الراهنة، ومن المؤكد أنه لا يملك من النفوذ ما يمكنه من دفع إسرائيل عنوة إلى وقف الحرب، وعليه فإن ما سيُقرر مصير الحرب على الجبهتين هو الميدان نفسه، وانعكاساته على الأطراف المتحاربة، والمقصد بذلك أنه من المرجّح أن يُعاد تشكيل الرأى العام الإسرائيلى بسرعة نحو اتجاه مخالف لتوقعات نتنياهو، خاصة إذا ما ازداد التهديد العسكرى والترحيل والتهجير من شمال إسرائيل إلى وسطها.