ارتبط مصنع النصر للسيارات بحلم كل المصريين فى أن يمتلكوا سيارة من صنع بلدهم، وحقق مصنع «النصر» للسيارات الكائن فى منطقة «وادى حوف» القريبة من حلوان حلم المصريين، وبعد أن كان امتلاك سيارة مقصوراً فقط على الأغنياء والإقطاعيين وساكنى القصور والفيلات والقاطنين فى الأحياء الراقية، أصبح أغلبية الشعب يمتلك سيارة.
قد يبدو للبعض أن حلم امتلاك سيارة رفاهية، ولكنه فى حقيقة الأمر جزء من الطموح البشرى وأحد مكونات بناء الإنسان السوى، المكفول له أن يحلم بأى شىء مشروع، فلا حكر ولا احتكار للأحلام، هذه جملة كان لا بد من الإشارة إليها والتنبيه لها ونحن نتحدث عن حلم قومى قبل أن يكون حلماً فردياً.
وظنى أن إعادة الروح لمصنع «النصر» بعد توقف دام ١٥ عاماً، كانت بمثابة إشارة إلى وجود إرادة سياسية ذات رؤية، تماماً مثلما فعلت فى مشروع توشكى الذى كان متوقفاً ٢٠ عاماً بسبب عائق صخرى كبير منع وصول المياه للمشروع وأوقفه، فتكسر هذا المانع الصخرى على صلابة الإرادة السياسية، وتم استكمال المشروع المهم لزيادة الرقعة الزراعية المصرية.
إذن فالإرادة السياسية غلبت المعوقات وبعض المنتفعين الذين من مصلحتهم الشخصية عدم عودة مصنع السيارات المصرى للعمل، وكما قال عنه رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولى أثناء الافتتاح: «والله النهارده عيد».
وكما استطاع المصريون حفر قناة السويس الجديدة بأموالهم وعقولهم وعرقهم فى فترة زمنية قياسية، فيمكنهم بسهولة صناعة سيارة مصرية تليق بسمعتنا وتاريخنا، وبخاصة أن كل مقومات هذه الصناعة موجودة، والتى تتلخص فى:
- توافر تكنولوجيا التصنيع، وتوافر الأيدى العاملة المدربة، ووجود سوق محلية كبيرة تستوعب أى كمية من الإنتاج، وتوفر رأس المال، وإذا كان هناك عجز فى التمويل فيمكن طرح نموذج للسيارة الجديدة وفتح باب الحجز بمقدمات معقولة، ويتم ضخها فى رأس المال، وهذا ما تفعله كل الشركات العقارية.
وكذلك إلزام جميع المصالح والمؤسسات الحكومية بشراء السيارة المصرية وعدم شراء سيارات مستوردة، وهذا يضمن استدامة الإنتاج، ووجود مصنع الإنتاج، والمصانع المغذية له، من كاوتش وبطارية وصاج وفرش صالون السيارة فى نفس المكان، وسهولة نقل الإنتاج إلى الموانئ فى حالة البدء فى التصدير، ووجود إرادة سياسية لبدء الصناعة وحمايتها واستمرارها وتطويرها، وتهافت شركات تصنيع السيارات الكبرى على العمل فى مصر لأنها أكبر سوق فى المنطقة، وتملك أيدى عاملة رخيصة، وتُعد بوابة العبور للقارة الأفريقية بأكملها.
وأنا على يقين أن الحكومة الحالية ستتفادى الأخطاء التى وقعت فيها الحكومات السابقة أثناء التعامل مع حلم السيارة المصرية، والتى من وجهة نظرى تمثلت فى: غياب الإرادة فى الاستمرار، وعدم انضباط العقد الذى تم توقيعه مع شركة «فيات» والذى أصرت الحكومة وقتها على إلزام الشركة بمد مصر بالموديلات الحديثة للشركة، وهذا حرم مصر من أن تكون لها سيارة مصنعة باسمها.
وقد تنبهت الهند لهذا البُعد الصناعى، فاتفقت مع الشركة «فيات» عندما أبرمت معها التعاقد فى نفس التوقيت، على أن يكون للهند الحق فى تصنيع أى موديل تتوقف الشركة عن إنتاجه، وتكون الأولوية لها فى شراء خط إنتاج هذا الموديل، وقد نفذت هذا البند بالفعل فى موديل السيارة الفيات ١٣٠٠ والتى كنا نصنعها فى مصر وتوقف إنتاجها.
فى حين أن الهند ما زالت تنتجها حتى الآن وأطلقت عليها اسم «بريذدنت»، وعدم الرضوخ لضغوط وكلاء السيارات وتجار ومافيا السيارات المستوردة كاملة الصنع، وعدم الالتفات إلى حججهم الواهية بأن هناك عمالاً يتكسبون من هذه التجارة، لأن مصنع إنتاج السيارة المصرية والمصانع المغذية له تستوعب مئة ضعف ما يتحجج به تجار ومافيا السيارات.
فوائد صناعة سيارة مصرية عظيمة وكثيرة، ولكن يمكن أن نختصرها فى عدة نقاط رئيسية:
• توفير ٥ مليارات دولار سنوياً نستورد بها سيارات، بخلاف فاتورة استيراد قطع غيار هذه السيارات، فى حين أن وزارة قطاع الأعمال قد ضخت ٢٠ مليار دولار فقط لبدء تشغيل مصنع «النصر».
• توفير فرص عمل تقترب من الـ٥٠٠ ألف فرصة عمل خلال مراحل التشغيل والتطوير.
• صناعة السيارات ستكون قاطرة الصناعة فى مختلف المجالات، وستشجع أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين على ضخ أموالهم فى مشروعات صناعية بدلاً من تركيز كل الاستثمارات على الاستثمار العقاري، الذى أصبحت السوق المصرية فى حاله تشبع منه.
• زيادة الاحتياطي من العملة الصعبة لمصر بسبب عدم استهلاكها فى استيراد السيارات، بالإضافة إلى أرباح تصدير السيارة المصرية.
ويمكن أن نكرر تجربة إسبانيا فى تصنيع سيارتها الشهيرة، ونطلق على موديلات السيارات التي نصنعها أسماء مدن مصرية، لتكون خير دعاية لنا فى الخارج عندما نبدأ مرحلة التصدير، وأراها قريبة بإذن الله.