زاد العبء على مصر، لا أحد يستطيع أن ينكر ذلك، ولا أحد يستطيع أن «يداريه».. أقصد بالعبء العدد الهائل للاجئين فى مصر، كنتيجة طبيعية لاشتعال المنطقة من حولنا، فى سوريا والسودان واليمن وليبيا، ولولا موقف مصر الثابت والمعلن من عدم موافقتها على التهجير القسرى للفلسطينيين الذى تسعى إليه إسرائيل لزاد العدد بمقدار مليون على الأقل!
كتبت فى هذا المكان فى أبريل الماضى محذراً من تفاقم عدد اللاجئين فى مصر، وفى أعقاب إعلان رئيس الوزراء وقتها د. مصطفى مدبولي بأن استضافة هؤلاء اللاجئين يكلفنا ٩ مليارات دولار سنوياً، وطالبت بضرورة سن تشريع ينظم وجود ضيوف مصر على أرضها، لأننا كنا الدولة الوحيدة التى ليس بها قانون ينظم وجود اللاجئين، بسبب نظرتنا المختلفة عن العالم للاجئين، وطريقة تعاملنا معهم، فنحن ننظر لهم على أنهم ضيوف، ونعاملهم كأنهم مصريون، ولم ولن نكون كدول كثيرة تضعهم فى مخيمات، بل نحن نمنحهم حق السكن والغذاء والعلاج والتعليم والعمل، ويتمتعون بكافة صور الدعم الذى تقدمه الدولة لمواطنيها.
وأمس الأول سعدت عندما أصدر مجلس النواب قانون «لجوء الأجانب» والذى يتضمن تشكيل لجنة عليا لشئون اللاجئين يكون من شأنها تقديم كافة أوجه الدعم والرعاية للمستحقين، وذلك بالتعاون مع الجهات الدولية المعنية بشئون اللاجئين، وبالتنسيق مع الجهات الإدارية فى الدولة، وهذا ما أود التركيز عليه، وما طالبت به من قبل، فإن التواصل والتعاون مع الجهات الدولية وبخاصة الأوروبية، سيتيح لمصر تلقى الدعم المستحق لهؤلاء اللاجئين، من خلال تحديد العدد الفعلى للاجئين فى مصر، والذى تجاوز الآن 10 ملايين، وموقف كل فرد فيهم، فليس من العدل ولا من المنطق ولا من الإنصاف، ولا من حقوق الإنسان أن تظل موازنة مصر تتحمل الأعباء المادية لكل هذا العدد الذى يتجاوز عدد سكان دول كثيرة فى مختلف أنحاء العالم.. وهنا يجب أن تنظم المذكرة التنفيذية للقانون طرق حصول اللاجئين على الخدمات والسلع والطاقة المدعمة، فيجب ألا يتم حساب فاتورة كهرباء الشقق المؤجرة للأجانب بالسعر المدعم، وإنما بسعرها الحقيقى، وكذلك كافة الخدمات الأخرى، ويكون تقديم هذه الخدمات كالصحة والتعليم عن طريق وثيقة الوجود فى مصر، للوصول إلى صيغة يقتصر فيها تقديم الدعم على المستحقين من المصريين، لتخفيف العبء عن كاهل الموازنة العامة.
وحرص المشرّع على ألا تخرج أو تتعارض مواد القانون مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التى وقعت عليها مصر بشأن اللاجئين، وكذلك عدم تعارضه أو تضاربه مع مواد الدستور أو أى قانون آخر.
وظنى أن جميع المواد جاءت منضبطة وجامعة ومانعة، وبخاصة فيما يتعلق بصفة اللاجئ بحيث لا يكون مضراً للأمن القومى المصرى، فلا يكون عضواً فى أحد الكيانات الإرهابية التى تحظرها مصر قبل منحه وثيقة اللجوء، أو إذا قام بأى ممارسات ضارة بالأمن خلال وجوده على أراضينا، وهذا حق أصيل للدولة المضيفة، كما تنص الاتفاقية الدولية، وهذه المادة تطمئن المصريين الذين كانوا يخشون على أمنهم من جراء تزايد أعداد اللاجئين.
القانون الذى تقدمت به الحكومة جاء منضبطاً فى كل مواده كما ذكرت، بدليل أن المجلس لم يغير فى مواده، سواء بالإضافة أو الإلغاء أو الحذف، وحظى بموافقة كل الأطياف السياسية للمجلس، فقد كان فى مجمله ملبياً لطموحات النواب فيه، ولمزيد من الطمأنة للمصريين فإن القانون لا يتيح فرصة للاجئين أن يستوطنوا فى مصر بعد وجود هذا القانون، فقد أصبحت هناك توصيفات واضحة للزائر والسائح والمستثمر والوافد واللاجئ.
وأعتقد أن هذا التشريع من القوانين المهمة فى دورة انعقاد البرلمان الحالية، لأنه مستحدث، ويتواكب مع الظروف الحالية، وبصورته الحالية لن تجعله عرضة لأى تعديلات مستقبلاً.
لكن يسبقه فى الأهمية -من وجهة نظرى- مشروع تعديل قانون العلاقة بين المالك والمستأجر الذى ستتقدم به الحكومة قريباً للبرلمان تنفيذاً لحكم المحكمة الدستورية العليا، بعد أن قضت بعدم عدالة ثبات القيمة الإيجارية طبقاً لعقود الإيجارات القديمة، وستكون لنا معه وقفة مطولة فى مقال آتٍ بإذن الله، نظراً لحساسيته ومساسه بملايين المصريين من المستأجرين.