وقفة طويلة يجب أن نقفها مع البيان الصادر عن بعثة صندوق النقد الدولى بقيادة السيدة إيفانا فلادكوفا هولار، بعد انتهاء زيارتها إلى مصر، ومناقشاتها التى استمرت خلال الفترة من 6 إلى 20 نوفمبر مع السلطات المصرية. لماذا؟ لأن البيان تضمّن حقائق ومعلومات، إلى جانب توضيح لرؤى الصندوق لما يحدث على أرض مصر من الناحية الاقتصادية، وكلها مناقض تماماً لكافة التقارير التى صدرت عن مواقع مشبوهة، وروَّجها الإعلام المعادى، عن التعويم المرتقب وضغوط الصندوق والأزمة التى يوشك المصريون أن يتورطوا فيها اقتصادياً واجتماعياً! ما الذى تضمّنه البيان؟
أولاً، تضمن البيان إشارة واضحة لا تخطئها عين للضغوط الخارجية التى تؤثر على الاقتصاد المصرى، على نحو لا يمكن تجاهله أثناء تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى، وهو ما يتسق مع ما قاله الرئيس السيسى فى سياق ضرورة مراجعة الموقف مع الصندوق، وكذلك ما نقوله دائماً عن دور هذه الضغوط فى أزمة النقد الأجنبى التى أثرت على مصر منذ ما يزيد على عامين.
البيان أشار لانخفاض إيرادات قناة السويس إلى ما يصل لـ70%، وهذه نقطة خطيرة تؤثر بشدة على الاقتصاد المصرى، كما لفت أيضاً إلى أعداد اللاجئين على أرض مصر، والضغوط المالية المصاحبة لهذه الأعداد، خاصة فى قطاعى الصحة والتعليم.ما سبق يتنافى مع الاتهامات التى تُوجَّه للمسئولين المصريين بأنهم قصروا أو أهملوا أو اتخذوا سلسلة من القرارات الخاطئة قادت لأزمة اقتصادية.لكن أخطر ما ورد فى البيان هو الحديث عن سعر الصرف، ودعونا نتذكر أن قبل أيام من زيارة بعثة صندوق النقد، تزايدت الشائعات حول ضغوط من الصندوق لكى يتم «التعويم» فيصبح الدولار بـ80 جنيهاً.
لم تكن هذه شائعات فحسب، وإنما تقارير صحفية من مواقع مغرضة مشبوهة معادية نقلت عن مصادر مجهولة هذه المعلومات التى تبين لاحقاً أنها مضحكة!بيان بعثة الصندوق قال نصاً: «أدى توحيد سعر الصرف منذ مارس إلى القضاء على تراكم الطلب على النقد الأجنبى وتخفيف قيود الواردات.
كما أكّد البنك المركزى المصرى التزامه بالحفاظ على نظام سعر صرف مرن لحماية الاقتصاد من الصدمات الخارجية».الترجمة المباشرة لهذه الفقرة هو أن الصندوق لا يرى أى سبب لتعويم العملة، أو لتغيير سعر الصرف من نطاقه السعرى الحالى، وهو ما يتنافى أيضاً مع كل الأكاذيب التى تم ترويجها!إذن، وفى ضوء ما سبق، نحن أمام نموذج للاستهداف المتعمد والمباشر عبر الشائعات والأكاذيب، وهو ليس استهدافاً لنشر الشائعات فقط، وإنما لخلق أزمة عملة مدفوعة بحالة من التشوش والذعر.
التوقعات تلعب دوراً هائلاً فى القرارات الاقتصادية، وحينما يسود التفاؤل أو التشاؤم يؤثر ذلك مباشرة فى الأرقام والمؤشرات الاقتصادية، تماماً كما يحدث داخل البورصات فى مصر والعالم.صانع الشائعة ومروجها يعلم هذه الحقيقة، وهو عبر خلق هذه الحالة من الذعر والتشويش، يأمل فقط فى أن تتعطل ماكينة العرض والطلب على النقد الأجنبى، بما يعيد خلق الأزمة من لا شىء.
حينما ندرك هذه الحقيقة، وذلك الإجرام المنحط، يكون واجباً ولزاماً علينا ألا نصبح نحن، من حيث لا نريد أو ندرى، وقوداً لما يحاك لنا عبر نشر الشائعات والأكاذيب.