على مدار الثلاثة عقود الماضية ومع افتتاح كل دورة برلمانية كانت تطفو على السطح اقتراحات بمشروعات قوانين يقدمها نواب البرلمان لتعديل قانون الإيجارات القديمة الذى ينظم العلاقة بين المالك والمستأجر فيما يتعلق بالوحدات السكنية، ولم تجرؤ الحكومات المتتالية على الاقتراب أو المساس بهذا القانون «اللغم»، لأن عدد المستأجرين يفوق عدد المالكين بمئات الأضعاف.
ولا يوجد إحصاء دقيق لعدد المستأجرين أو عدد الملّاك، وتوالت الحكومات والدورات البرلمانية دون تعديل القانون، واكتفت الحكومات السابقة بتعديل قانون العلاقة بين المالك والمستأجر فيما يتعلق بالأراضى الزراعية، وأيضاً فيما يتعلق بالوحدات المؤجرة تجارياً أو لغير أغراض السكن.
ثم جاء الحكم التاريخى للمحكمة الدستورية العليا، الأسبوع الماضى، ليقضى بعدم دستورية ثبات القيمة الإيجارية مدى الحياة للوحدات السكنية، وأن هذا الثبات لا يحقق العدالة المنشودة، وأن على البرلمان إصدار تشريع يحقق هذه العدالة، وأصبح البرلمان ملزماً بإصدار هذا التشريع، وقد يقول البعض إن المجلس «سيد قراره»، وإن هناك فصلاً بين السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وإن البرلمان يمكن أن يرفض إصدار هذا التشريع، وهذا صحيح، لكن العدالة تقتضى إصدار التشريع، وبخاصة أن البرلمان كان له محاولات سابقة فى هذا الشأن ولم تكتمل، وبهذا الحكم تلاقت أهداف السلطتين القضائية والتشريعية، وبالتالى فإن مسألة الفصل بين السلطات قائمة ومستمرة.
وقبل أن أتطرق لشكل التعديل الجديد، أود أن أشير إلى أننى لست مالكاً لعقار مؤجر، ولست مستأجراً لوحدة سكنية، ولو كنت هذا أو ذاك ما تطرقت للموضوع درءاً للشبهات وتضارب المصالح.
من حيث المبدأ فلا خلاف على ضرورة التعديل، ولكن الخلاف يدور حول التفاصيل، ودائماً ما يكمن الشيطان فى التفاصيل.
الـمُلاك يريدون أقصى زيادة، والمستأجر لا يريد زيادة وإن كان من الأمر بد فلتكن زيادة طفيفة.
المالك يريد أن يكون الإيجار مساوياً لأسعار سوق التأجير حالياً، مع زيادتها بنسب كل عام، والمستأجر يقول إنه ليس مستأجراً جديداً لتتم معاملته بسعر السوق.
المالك يريد تعويض ما يصفه بأنه خسارة تكبدها لأن الإيجارات هزيلة وثابتة منذ عشرات السنين، والمستأجر يقول إنه قد دفع «خلو رجل» ولم يكن مثبتاً فى العقد لأنه مخالف للقانون، وأن المالك قد استرد قيمة عقاره مرتين على الأقل من عوائد الإيجارات على مدار السنين الماضية، وأن ورثة الملاك يفكرون بجشع.
المالك يريد أقصى عائد من أملاكه، والمستأجر ليس فى إمكانه دفع القيمة الإيجارية الكبيرة التى يطلبها المالك لأن أغلبية المستأجرين أصبحوا من أصحاب المعاشات «ويادوب» تكفى معاشاتهم سداد فاتورة الطعام والأدوية والكهرباء والغاز.
ويظل المشرّع أمام رغبات وحقوق مكتسبة منطقية من الطرفين، وبالتالى فإن هذا التشريع سيكون الأهم على الإطلاق فى تاريخ البرلمان، ويجب التعامل معه «بالشوكة والسكينة» حتى لا يتم الجور على حق أىٍّ من الطرفين، فيجب أن تكون الزيادة التى سيتم إقرارها معقولة ومقبولة ومحققة للعدالة والرضا للطرفين، وأن تكون بها نسبة زيادة سنوية، ولا تتضمن بأى حال من الأحوال طرد المستأجر، وأن يشمل المشروع صيغ تخارج بالتوافق بين الطرفين فى حالة عدم وجود المستأجر فى العين المؤجرة.
وحتى الآن لا أملك معلومة هل الحكومة هى التى ستتقدم بمشروع قانون التعديل، أم سيبادر المجلس من خلال أحد أعضائه أو الهيئات البرلمانية للأحزاب الممثلة فيه بتقديم اقتراح بمشروع قانون، فالحكومة لن تكون طرفاً فى هذا المشروع، إلا إذا حدث نزاع بين الطرفين (المالك والمستأجر).
وأعتقد أن الحكومة يمكنها أن تؤثر بالإيجاب على هذه القضية إذا قامت بطرح جزء من مشروعاتها السكنية للإيجار بنفس شروط العقد الذى يتم التوصل إليه فى التشريع، لأنها بذلك ستضرب عدة عصافير بحجر واحد..
الأول: ستضبط سوق الإيجارات ولا تجعل الأفراد هم المتحكمين فى سوق التأجير.
الثانى: ستخلق سلوكاً جديداً بين المصريين وبخاصة الشباب وهو العودة لنظام التأجير، بدلاً من اللهث وراء التملك.
الثالث: خلق مفهوم أنه لا يوجد ما يسمى بشقة العمر، وبالتالى يمكن للمستأجر إنهاء تعاقده وإعادة الشقة لوزارة الإسكان، والانتقال لشقة أكبر أو لمنطقة أخرى، وتستفيد الحكومة بالشقة المسترَدة وإعادة تأجيرها لشخص آخر.
الرابع: القضاء على ظاهرة الوحدات المغلقة.
الخامس: إتاحة شقق للراغبين وبخاصة الشباب بأسعار معقولة فى متناول الجميع.
السادس: حل مشكلة الإسكان نهائياً، والتى ظهرت واستوطنت بسبب مفهوم التمليك.
ظنى أنه قد آن الأوان لنزع فتيل لغم قانون الإيجارات.