بدأت انتفاضة الحجارة الفلسطينية عام 1987 عفوية، ووصفتها مصادر الأمن الإسرائيلية بأنها «هبة» تستمر عدة أيام وتنتهى غير أنها سرعان ما تحولت بإيقاع سريع إلى انتفاضة هادرة، لاسيما بعد أن زاد وجود منظمة التحرير الفلسطينية فى الداخل، إلى جانب المنظمات الأخرى، خاصة المنظمات الإسلامية، وأعلنت نيتها فى تكوين حكومة مؤقتة من الخارج، سرعان ما تحولت إلى حكومة مؤقتة فى الداخل وتم إعلان الدولة بالفعل.
وأصدر قادة الانتفاضة بياناً وصفوا فيه الإسرائيليين بأنهم فاشيون جُدد ستجبرهم الحجارة الحارقة على التسليم بالحقائق، التى تُرسّخها الانتفاضة المدوية، التى سترسم الطريق بوضوح على درب الاستقلال الوطنى ورفع علم فلسطين على أسوار القدس المقدّسة.
وأوضح البيان أن من أهم شعارات الانتفاضة هو تعزيز النضال من أجل إلغاء كل القوانين والإجراءات الضريبية، ودعا التجار إلى الانخراط فى الانتفاضة الباسلة، وتعهد بحمايتهم من الإسرائيليين من خلال المقاومين والمناضلين الفلسطينيين.
وركز البيان على أن للانتفاضة قيادة وطنية موحّدة تؤكد على مواصلة النضال بجميع أشكاله تحت رايات منظمة التحرير الفلسطينية حتى تتحقّق الأهداف السامية للشعب الفلسطينى فى عودة اللاجئين، وتقرير المصير، وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة بقيادة المنظمة.
ووضعت الانتفاضة أمامها عدة أهداف مباشرة للانتفاضة، تتمثل فى وقف سياسة القبضة الحديدية، وإلغاء العمل بقوانين الطوارئ السائدة، بما فى ذلك إلغاء كل قرارات الإبعاد فوراً، وتحريم انتهاك وتدنيس المقدسات الدينية من جانب قوات الاحتلال، وخروجها من البلدة القديمة بالقدس.
وفى 10 يناير 1988 صدر بيان عن القيادة الوطنية الموحّدة لتصعيد الانتفاضة فى المناطق المحتلة، وهتف البيان بسقوط الاحتلال وبالمجد والخلود للشعب الفلسطينى الحر ولشهدائه الأبطال، مطالباً بسحب الجيش الإسرائيلى من المدن والمخيمات والقرى، وحظر أعمال الاستفزاز التى يقوم بها، وتحريم إطلاق الرصاص من جانب الإسرائيليين على الشعب الفلسطينى الأعزل، كما طالب بحل اللجان البلدية من المجالس القروية ولجان المخيمات المعينة من قبل سلطات الاحتلال، وإجراء انتخابات ديمقراطية لكل المجالس البلدية والقروية فى الضفة الغربية وقطاع غزة، وإطلاق سراح كل معتقلى الانتفاضة فوراً وإغلاق معتقلات الفارعة وأنصار «2» وأنصار «3»، وإلغاء الضريبة الإضافية المفروضة تعسّفياً على التجار الفلسطينيين.
وشدّد البيان على ضرورة وقف مصادرة الأراضى الفلسطينية ووقف بناء المستوطنات ووقف استفزازات المستوطنين للفلسطينيين بالإضافة إلى تحريم مداهمة وإغلاق المؤسسات التعليمية والنقابية والجماهيرية المختلفة، وحظر تدخّل سلطات الاحتلال الإسرائيلى فى شئون فلسطين الداخلية.
ودعا البيان كل أفراد الشعب الفلسطينى إلى إغلاق الشوارع فى وجه قوات الاحتلال، ومنع جنوده من دخول المخيمات الرئيسية، بوضع المتاريس، وإحراق إطارات الكاوتشوك، وقذف الحجارة على رؤوسه ورؤوس عملائه، ورفع الأعلام الفلسطينية على مآذن المساجد والكنائس وأسطح المنازل وأسلاك الكهرباء وفى كل مكان، والصبر على الحصار المفروض على الشعب الفلسطينى من الجيش الإسرائيلى وكذلك على قرارات حظر التجول.
وتوعد البيان بمواصلة الانتفاضة ضد الاحتلال الإسرائيلى، وبحرق الأرض تحت أقدامه حتى يعرف العالم كله أن بركان الانتفاضة الذى أشعله الشعب الفلسطينى لن يتوقف أبداً إلا بإنجاز الاستقلال بدولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
لكن الانتفاضة لم تُحقّق أهدافها بعيدة المدى، فقد أُجهضت من الداخل، بعد أن تسرّب إلى أوصالها الصراع الداخلى مرة، أو اندفاع بعض المنظمات التى سيطرت عليها للدخول فى مفاوضات مع إسرائيل، بشكل أضعف فعاليات الانتفاضة كثيراً، لاسيما فى ظل الخلاف بين حركة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية حول طريقة العمل، وتمثيل الفلسطينيين فى مباحثات السلام فى مؤتمر مدريد 1991، وأذكى الخلاف تأييد المنظمة للعراق فى غزوه للكويت فى 2 أغسطس 1990.
(ونكمل غداً)..