تتعقد الأزمة السورية لتعدد الفاعلين الإقليميين والدوليين بها، مما ساهم فى إطالة أمد الحرب الأهلية دون حل ودون تغير ميزان القوى لأى من أطراف الصراع أمام الآخر، نتيجة الدعم المستمر لكل طرف من قوى خارجية.
وبعد حالة جمود لعدة سنوات، شنت هيئة تحرير الشام هجوماً على مدينة حلب، ثانى أكبر مدينة فى سوريا والتى كانت تحت سيطرة الرئيس بشار الأسد منذ عام 2016، ليكسر بذلك جمود الحرب الأهلية فى سوريا.
كثير من التحليلات خرجت تحاول أن تفهم الأهداف ومَن وراء دعم الهجوم وأسباب التوقيت، لم يكن هناك سوى اتفاق على المستفيدين من الهجوم على حلب.
ولأن سوريا منذ عام 2012 اعتمدت على إيران حليفتها فى محاربة الجماعات المسلحة التى ظهرت على أرضها مدعومة من أطراف خارجية، ولأن توقيت الهجوم على حلب جاء فى أعقاب توصل إسرائيل وحزب الله إلى هدنة، كما أنه جاء فى سياق محاربة إسرائيل للوجود الإيرانى فى سوريا، وهو أحد الخطوط الحمراء لإسرائيل، رفض التمركز الإيرانى العسكرى فى سوريا، لذا من المهم تتبع موقف إيران من سقوط حلب فى يد جماعات جهادية وموالية لتركيا.
منذ العملية العسكرية الإسرائيلية على غزة وما تلاها من عمليات عسكرية ضد إيران وحزب الله، امتنع الرئيس السورى بشار الأسد عن التدخل المباشر فى الحرب متعددة الجبهات ضد إسرائيل، حرصاً على ألا تؤثر التفاعلات الإقليمية على وضع سوريا.
كما عمل الأسد على تقييد نشاط الجماعات المنتمية إلى محور المقاومة فى أراضيه.
ومع ذلك خرج رئيس الوزراء الإسرائيلى منذ أيام قبل هجوم هيئة الشام على حلب ليحذر الأسد من اللعب بالنار ليبدأ بعدها هجوم الجماعات الجهادية والمرتبطة بتنظيم القاعدة والمصنفة أمريكياً على قوائم الإرهاب.
اشترك جزء من قوات «الجيش الوطنى السورى» فى الهجوم الأخير على حلب، وتحظى هذه المجموعة، التى كانت تُعرف سابقاً باسم «الجيش السورى الحر»، بدعم كامل من الحكومة التركية، وتسيطر بالإضافة إلى إدلب على جزء من القطاع الشمالى الغربى السورى والمناطق المتنازع عليها مع الأكراد.
الموقف الإيرانى عقب التطورات فى سوريا، أدان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائى، الهجوم واصفاً إياه بالإرهابى، واعتبر تحركات الجماعات تلك فى سوريا فى اليومين الأخيرين جزءاً من مؤامرة.
وشدد على ضرورة يقظة وتنسيق دول المنطقة، وخاصة جيران سوريا، لإفشال هذه المؤامرة، واعتبر أن الهجمات تشكل انتهاكاً لعملية أستانا، حيث بموجب الاتفاقيات القائمة بين تركيا وإيران وروسيا الضامنة لعملية أستانا فإن أطراف حلب وإدلب تُعتبر جزءاً من سوريا، وهى مناطق خفض التصعيد، وهجوم الجماعات المسلحة على هذه المناطق يشكل انتهاكاً لعملية أستانا.
واعتبر قائد الحرس الثورى الإيرانى حسين سلامى أن «المهزومين فى غزة ولبنان يقودون اليوم الهجمات فى سوريا» فى إشارة إلى إسرائيل، وهناك تلميحات إيرانية حول مصالح تركيا من تلك العملية، حيث انضمت هيئة تحرير الشام، وهى جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة وتسيطر على محافظة إدلب، إلى قوات الجيش السورى الحر المدعوم من تركيا، بما فى ذلك عسكر حمزة، وعسكر السلطان سليمان شاه، وأحرار الشام، لشن هجوم على سوريا.
لذا تحاول تركيا الضغط على الأسد الذى رفض لقاء الرئيس التركى دون الاتفاق على انسحاب تركيا من شمال سوريا، لذا فقد استخدمت تركيا هيئة تحرير الشام لتنظيم قواتها المتحالفة من أجل الحصول على قوة موحدة أثناء التفاوض مع سوريا، أى أن يكون لها اليد العليا فى المفاوضات المستقبلية مع دمشق، وهو ما يمكن توقعه الآن فى إطار زيارة وزير الخارجية الإيرانى لتركيا يوم الاثنين 13 نوفمبر 2024، كما تستهدف تركيا احتلال الجزء الشمالى من سوريا وتقليص نفوذ إيران بعد إضعاف ما يسمى بمحور المقاومة فى سوريا بعد الضربات الإسرائيلية..
أما مصالح إسرائيل من التطورات الأخيرة فى سوريا، فى العام الماضى، عندما تم استهداف الجولان من داخل سوريا، فإن تثبيت وقف إطلاق النار الأخير فى لبنان جعل حكومة نتنياهو مصممة على عدم السماح بوصول أى مساعدات إلى حزب الله من الحدود السورية، وقطع خطوط الاتصال من سوريا إلى لبنان حتى لا يتعزز حزب الله ويجهز من جديد، لذا فإنه خلال الحرب مع لبنان، دمر نتنياهو خطوط الاتصال المدنية بين سوريا ولبنان.
وخلال اتصال هاتفى بين الوزيرين السورى والإيرانى، وصف عراقجى إعادة تنشيط الجماعات الإرهابية فى سوريا بأنها خطة أمريكية صهيونية بعد هزيمة إسرائيل فى لبنان وفلسطين، وأكد دعم إيران المستمر للحكومة والشعب والجيش السورى لمحاربة الإرهاب وحماية المنطقة، لقد أظهرت صور مختلفة للتحركات المسلحة لهيئة الشام التابعة للقاعدة على الجبهة السورية ما يفيد أنهم مجهزون تجهيزاً كاملا.
كما يظهر استخدامهم للطائرات الانتحارية بدون طيار أو كاميرات الرؤية الليلية أنهم يستفيدون من الدعم الخارجى، فقد رافق الهجوم إسناد مدفعى للجيش التركى، لا شك أن لإسرائيل مصلحة فى خلق فوضى أمنية فى سوريا، حيث تعتبرها خط إمداد آمن لتعزيز قوة حزب الله اللبنانى عسكرياً.
إن التقييم فى إيران أن الهجوم الأخير للجماعات التكفيرية على حلب يجب تقييمه على أنه مؤامرة كبرى ضد محور المقاومة وأن الهدف من وراء الهجوم ليس فقط ضرب حزب الله اللبنانى، بل لإضعاف محور المقاومة بأكمله وإيران بشكل خاص.
توقيت الهجوم على حلب مرتبط بسياق إقليمى ودولى، فمن جانب استغلال لانشغال روسيا فى حربها فى أوكرانيا، ومن جانب آخر حالة الضعف التى سيطرت على إيران فى مواجهة إسرائيل، وتدمير معظم القوة العسكرية لحزب الله، فكانت سوريا فى عامى 2015 و2016، لديها الآلاف من أعضاء حزب الله للمساعدة فى مواجهة الميليشيات المسلحة، كما حظيت سوريا بدعم إيران والطائرات الحربية الروسية.
إن الأزمة الحالية قد تجبر النظام السورى على نقل دفاعاته من أماكن أخرى لتعزيز قواته فى مواجهة الجماعات المسلحة، لكن فى كل الأحوال تعددت الأطراف الداعمة للهجمات الجارية على مدينة حلب، وتعددت مصالحها، ولكن ما زال المشهد قيد التشكل والتفاعل.
* أكاديمية
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية بـ«المركز المصرى»