أحدثت «هيئة تحرير الشام» مع فصائل مسلحة حليفة لها زلزالاً عسكرياً فى سوريا بالسيطرة على مدينة حلب، وأدى ذلك إلى مئات القتلى، و«هيئة تحرير الشام» بدأت باسم «جبهة النصرة»، وتعود جذورها إلى ظهور السلفية فى سوريا، مروراً بظهور الإخوان، وأفكار الإخوانى السورى مروان حديد، وتنظيم الطليعة المقاتلة التى أسسها مروان، ومثّلت الذراع العسكرية للإخوان، وفكت الجبهة ارتباطها مع تنظيم «القاعدة».
ومؤسسها «أبومحمد الجولانى»، الذى ترك كلية الطب، والتحق بتنظيم القاعدة، وعمل على تدريب تنظيم جند الشام التابع للقاعدة، ورفض اندماج جبهته فى تنظيم داعش، ودخل فى صراع معها لصالح تنظيم القاعدة، ثم أعلن فى 2016 فك الارتباط بين جبهته وتنظيم القاعدة.
ويعتمد تنظيم جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) فكرياً على مؤلفات أبومصعب السورى، وأبومصعب هو الاسم الحركى لمصطفى عبدالقادر، وكانت بدایاته فى الإسلام الحركى مع انضمامه لما یُعرف بـ«الطلیعة المقاتلة»، وكان أبومصعب یعد نفسه أقرب إلى تنظیم «الطلیعة المقاتلة» وعضواً فیه، خاصة مع حدوث انقسامات مع الإخوان.
ولا يمكن الزعم بوجود علاقة مباشرة أو تنظيمية بين جماعة الإخوان وهيئة تحرير الشام، ولكن يمكن القول إن هناك مفاهيم كبرى تشترك فيها كل الجماعات والتنظيمات من الإخوان إلى القاعدة إلى داعش، وتعد الحاكمية هى الفكرة الكبرى التى تأسست عليها أطروحة هذه التيارات، ومن الحاكمية جاءت قضية الجاهلية، وحتمية الصدام، والتمكين، والعصبة المؤمنة، والوعد الإلهى، والمفاصلة، والجهاد، والخلافة، وهذه المفاهيم تغزو عقل المتدين، فيتحول بها من متدين إلى متطرف، ثم من متطرف إلى تكفيرى، ثم من تكفيرى إلى قاتل يحمل السلاح ويسفك الدماء.
وهذه التنظيمات فى نهاية المطاف مرتبطة ببعضها البعض من خلال أيديولوجيات مشتركة، وقد هاجمت الإخوان، والإخوان هاجمت هذه التنظيمات، ولكن تظل جماعة الإخوان هى التى وفّرت جسراً لهذه التنظيمات، رغم الاختلافات العملياتية بينها.
تقول الدكتورة سلوى محمد سليم العوا فى كتابها: (الجماعة الإسلامية المسلحة فى مصر): «نشأة العنف السياسى باسم الإسلام ترجع إلى عصر الخوارج، بينما ترجع فى العصر الحديث إلى اغتيال الخازندار والنقراشى على يد الإخوان المسلمين فى مارس وديسمبر 1948م، بينما يرجع العنف السياسى ضد الدولة فى مصر عموماً إلى ما قبل 1948م فى قضية الاغتيالات السياسية عام 1946م، وفى التاريخ الحديث ترجع إلى نشأة جماعة الإخوان المسلمين فى سنة 1928م».
ويذهب تقرير إلى أن سلالات التنظيمات العنيفة لداعش والقاعدة تم التعرّف عليها من جماعة الإخوان، فيستخدم القائمون على تجنيد الجماعات الإسلامية العنيفة فى كثير من الأحيان أدبيات جماعة الإخوان كجزء من برنامج التلقين الدينى للمجندين، وتعرّف بعض أعضاء تنظيم القاعدة وداعش لأول مرة على سلالات السلفية العنيفة من خلال جماعة الإخوان، بل إن «الجولانى» انتقد جماعة الإخوان، ومع ذلك فقد استخدمت جماعته مواد من جماعة الإخوان فى برنامج التلقين الدينى.
وفى عام 2017، أشاد «الجولانى» بالأيديولوجية المشتركة لتنظيم القاعدة والإخوان المسلمين، وقال لقناة «الجزيرة» إنه رغم أنهما قد يختلفان فى تكتيكاتهما، إلا أن كلا التنظيمين يستمدان أيديولوجيتهما من المصادر نفسها، كما جاء فى التقرير.
والحاصل أنه متى توافرت عوامل التواصل والاحتكاك بين أدبيات الإخوان وعناصر السلفية الجهادية يصبح الإخوان بمثابة «المفرخة» لهذه التنظيمات.