نشر عدد من المنظمات الدولية والإغاثية تقارير حول العصابات المسلحة التى تستولى على شاحنات المساعدات فى قطاع غزة، خاصة فى المناطق التى يسيطر عليها الجيش الإسرائيلى. وأضافت أن الجيش الإسرائيلى يسهل ويتغاضى عن عمليات السلب والنهب التى تقوم بها تلك العصابات لتسهيل إجرامها كجزء من سياسة التجويع التى يتبعها ضد أهل غزة.
لم يكتفِ الجيش الإسرائيلى بتسهيل مهمة المجرمين، بل يقوم بمهاجمة قوات الشرطة الفلسطينية التابعة لحركة حماس، التى تحاول تأمين المساعدات الإنسانية، ولجان الطوارئ واللجان الشعبية، وقد ذكر عدد من المنظمات الإغاثية التابعة للأمم المتحدة أن مواجهة سرقة ونهب المساعدات هى أكبر عقبة تواجه عملها فى قطاع غزة، الذى يعانى منذ أكثر من عام من الجوع والمرض والمأوى.
قبل حرب غزة كان يدخلها فى اليوم الواحد من ٣٥٠ إلى ٤٠٠ شاحنة، اليوم لا يزيد عدد الشاحنات التى تدخل غزة على ثلاثين شاحنة ومعظمها يتعرّض للسرقة، حتى إن مائة شاحنة محمّلة بالطعام للفلسطينيين تمّت سرقتها فى يوم واحد بعد دخولها القطاع، وبعد سرقتها يتم بيع محتوياتها مرة أخرى للمواطنين المنكوبين بأسعار فوق تصور أى أحد، فى واحدة من أبشع العمليات الإجرامية.
سواء كانت تلك العصابات متعاونة مع الجيش الإسرائيلى، أو مجرمى حرب، فتلك النوعية من البشر هى أحقر وأدنى فصيل بشرى، وهم ليسوا ممن كان يطلق عليهم فى الماضى (أغنياء حرب)، ولكن هؤلاء هم من يتاجرون بالدماء والشرف والكرامة، وهم يجسّدون الخيانة بأبشع صورها.
وإذا كانوا يحتمون اليوم وراء جيش الاحتلال، فمن المؤكد أنهم سيكونون هم وأبناؤهم وأحفادهم موصومين بوصمة العار التى لا تُمحى أبد الدهر، ولعل هؤلاء هم أنفسهم الذين كالوا الاتهامات لمصر بالتقاعس عن فتح معبر رفح لإيصال المساعدات، فى الوقت الذى تصطف فيه الشاحنات، بينما إسرائيل تمنع دخولها، وهم الذين سخروا من محتويات المساعدات، بينما أهل غزة يتضورون جوعاً ويحتاجون إلى كل شىء وأى شىء.
فى كل معركة أو مقاومة أو حركة تحرّر يكون فيها وطنيون شرفاء ويكون فيها خونة مأجورون، وهناك من يلعبون على الحبلين معاً، يحدث هذا فى كل زمان ومكان، فهناك من يتاجر بالدم، ومن يتاجر بالدواء أو بالغذاء أو بالأرض وبالحرية، وفى المقابل هناك من يدفع حياته، ومن يدفع بأبنائه أو حريته أو راحته أو مأواه، وهو مؤمن بما يقدّم من أجل تراب بلده.
يحدث هذا دوماً، لكن بالنسبة للقضية الفلسطينية، أعتقد أنها ربما تكون نموذجاً واضحاً لتاريخ من الخيانات المتوالية والتضحيات الدائمة أيضاً، لكن الخيانات هى التى أضاعت التضحيات وجعلتها تذهب هباءً، وإلا ما كانت القضية قد وصلت لما آلت إليه الآن.
ولم تكن هذه الخيانات بين الاحتلال الإسرائيلى وأطراف فلسطينية فقط، ولكن بين الفصائل الفلسطينية بعضها البعض، فلم تكن أبداً القضية الفلسطينية فى يوم من الأيام موحّدة الصفوف، ولم تكن أبداً على كلمة واحدة أو موقف واحد.
تلك إذن هى المشكلة الحقيقية التى انعكست آثارها على الشعب الفلسطينى وعلى قضيته التى طال أمدها، والتى استمرت لأكثر من ثمانية عقود، وتلك هى المعضلة التى تُعرقل أى حلول، فلقد نادينا كثيراً بضرورة تجديد دماء القضية الفلسطينية بالدفع بقيادات شابة جديدة.
وبتوحيد الصف والكلمة والتجاوز عن الخلافات السياسية التي جعلت من الشعب الفلسطيني هدفاً سهلاً للاحتلال الذى يعلم جيداً أنه طالما هناك من يتم شراؤه ومن يفضّل مصلحته على مصلحة وطنه فإنه باقٍ وآمن، الخطر الحقيقي على إسرائيل هو توحُّد الصف الفلسطيني وتوحُّد كلمته ومواقفه، هو تطهير صفوفه من الخونة والمجرمين والمتاجرين بدماء الأبرياء.