آفة حارتنا النسيان، الأحداث تغطى على بعضها، سرعة ما يجرى حولنا تساعد على تجاهل مواقف فى غاية الأهمية، لكن ما حدث فى «مصر» فى الفترة من يناير ٢٠١١ حتى يونيو ٢٠١٣ لا يمكن نسيانه أو تجاهله، فترة عصيبة مرت على الشعب المصرى، عَلّمَت فينا وتعلمنا منها وأصبحت بمثابة جرح غائر أصابنا وترك بصماته على أجسادنا، بل نُراهن على أننا لن ننساها.
وأهم ما أصابنا وقتها هو الفوضى وفقدان الأمن، لذلك لا يمكن أبداً بعد أن «انتهت الفوضى وعاد الأمن واستقر الوطن» أن نعود للوراء أو يُقال لنا «للخلف دُر» بصريح العبارة: أهو دا اللى مش ممكن أبداً.
لن تعود عقارب الساعة للخلف، لن نرى مشاهد العنف والتطرف والدم والسلاح فى الشوارع مرة أخرى، فـ«مصر» عادت كما كانت بلد الأمن والأمان، عادت بكل قوتها أو أقوى مما كانت، وطوت صفحة الفوضى دون رجعة، عاصر الشعب المصرى سنوات قاتمة كان الخوف يملأ قلوب الصغير والكبير، خوف على الوطن من أهل الشر، خوف من أجندتهم المتطرفة الذين حاولوا تنفيذها بكل ما أوتوا من قوة وبكل ما نالوه من دعم خارجى وتخطيط شيطانى للسيطرة على «مصر».
لكن ولأن الشعب المصرى لديه من الصبر الكثير ومن العِزة والكرامة الكثير، ومن الغيرة والخوف على الوطن الكثير، تصدَّى وصَمد وأعلن عن موقفه الرافض لهؤلاء ولتنظيمهم وتابعيهم ومريديهم ومؤيديهم وكل من هو على شاكلتهم، رفض وقرر الإطاحة بهم وبكل من يمشى فى رِكابهم.
كانت تجربة مريرة اكتشفنا خلالها أن التخطيط للسيطرة على «مصر» كان الهدف، تخطيط استمر لسنوات طويلة استُخدم فيه التنظيم كأداة للتنفيذ، وتم تقديم للتنظيم دعم مالى مليارى، وتم الاتفاق معه على كل النقاط وعلى دوره المراد تنفيذه، فالتنظيم لديه عناصر مُدربة تخضع للسمع والطاعة فقط، تُنفِذ فى ثوانٍ ما تُؤمر به دون نقاش أو جدال، بمعنى أن (الأمر: كَفّر وفَجّر.. يتم التنفيذ: يُكَفِّر ويُفَجِّر، الأمر: تظاهر واحرق.. يتم التنفيذ: يتظاهر ويحرق، الأمر: خُذ هذا السلاح واقتل هذا الشخص.. يتم التنفيذ: يحمل السلاح ويقتل الشخص المُراد)، إن هذا التنظيم بلا عقل وبلا قلب وبلا رحمة وبلا ضمير وبلا مبادئ وبلا إنسانية، إن هذا التنظيم إتبع نهج أعداء الوطن فأصبح مثلهم عدواً للوطن.
تجربة «مصر» فى مواجهة التنظيم تُدَرَّس، لذلك عرضت «مصر» تجربتها الناجحة فى مواجهة التنظيمات الإرهابية على الأمم المتحدة للاستفادة بها واعتبار هذه التجربة بمثابة رؤية وطنية خالصة للدول التى تريد القضاء على الإرهاب والعيش فى أمان، عرضت «مصر» كيفية التصدى بداية من المواجهات المباشرة للعناصر المسلحة وتقديمهم للعدالة ليلقوا مصيرهم، وعَرضت طُرق تتبع العناصر الجديدة وضرورة غلق منابع التمويل الخارجى لهم والتحفظ على أموالهم وإصدار قوائم إرهاب للأشخاص والكيانات والتعاون من دول الجوار فى إصدار قوائم مطلوبة أمنياً وإرسالها للإنتربول ومحاربتهم فكرياً والتصدى لفتاواهم.
أُشفِق على بعض الدول التى تؤوى تنظيمات وتسمح لهم بالعمل والتضخم والسيطرة والتواصل مع دول أخرى لتلقى الدعم المالى واللوجيستى، بل إننى أُشفِق على مصير هذه الدول ومصير شعوبها ومستقبل أبنائها، ولِلعِلم: سيأتى اليوم الذى يبكى فيه مواطنو هذه الدول على أطلال بلادهم، سيبكون دموعاً أنهاراً حينما يجدون وطنهم دخل فى مطحنة دولية بسبب هذه التنظيمات التى تركوها تكبر وتترعرع وتنمو وتظن فى نفسها أنها تُنافس الدولة، لكن الخطر أن هذه التنظيمات قرارها فى يد من يمدها بالمال والسلاح، لذلك سيأتى اليوم الذى سيتصادم فيه التنظيم مع الدولة، وهذه هى البداية، ثم يأتى اليوم الذى يُوَرِّط فيه التنظيم الدولة فى معارك إقليمية وصدامات دولية نتيجتها ضياع التنظيم والتضحية به وتدفع الدولة الثمن ويتم تشريد شعبها، فى هذا الوقت سيبكون لكن سيكون «بَدَل الدموع دم».