«عندما تدمر السياسة النقدية العملة فإنها تدمر دائماً الطبقة الوسطى».. «رون بول»
ينتمى إلى الطبقة الوسطى نصف سكان العالم، فهى فئة اجتماعية مؤثرة بقوة فى نتائج التنمية الاقتصادية، ونجاح أى نموذج تنموى يقاس بمدى فعالية دور الطبقة الوسطى فى النمو الاقتصادى وتحليل ما تمر به الطبقة المتوسطة بين الماضى والحاضر والمستقبل يؤدى لرسم خارطة طريق واضحة، حيث تتمتع هذه الطبقة بقدر كبير من الثقافة والعلم والأخلاق الحميدة وتتمسك بالقيم والدين ويخرج من بين أصلابهم المعلم والمهندس والطبيب والمبدعون فى كل المجالات، فتقوم على أكتافهم النهضة الحقيقية ولكن فى ظل الأزمات الحالية فهم الأكثر تأثراً وتضرراً بسبب معدلات التضخم المرتفعة الذى أدى إلى الانخفاض القوى لقيمة الجنيه والتغيرات السريعة فى توزيع الدخول فى المجتمع مقابل ثبات الأجور أو حتى ارتفاعها بنسبة ضئيلة.
كل هذه الأسباب كانت أكبر مؤثر فى ترتيب أولويات هذه الطبقة من حيث الاستهلاك، فقد أصبح جلياً تأثيرها الواضح فى القدرة الشرائية لهذه الأسر، إذ إنه قد وصل الأمر إلى أن سلعاً كانت بالنسبة لهم أساسية أصبحت الآن سلعاً ترفيهية والسبب هو الارتفاع الشديد فى أسعار السلع والخدمات والوقود وقطعاً ارتفاع تكاليف المعيشة الذى فاق زيادة الأجور، ولم يكن الأثر الاقتصادى على أنماط الاستهلاك الجديدة فقط بل بات يهدد استمرارية الشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر وذلك مع ضغوط ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض الطلب من المستهلك.
كل هذه التحديات الاقتصادية تضع الطبقة الوسطى فى مواجهة صعوبات وتحديات أخرى ليست اقتصادية فقط ولكن اجتماعية أيضاً تؤثر على جودة حياتهم واستقرارهم فيواجه العديد من أفراد الطبقة الوسطى عدم الاستقرار فى الوظائف نتيجة للتقلبات الاقتصادية، فقد يجد الأفراد أنفسهم مواجهين لفقدان الوظائف أو التهديد بالبطالة، ما يدفعهم لعدم الثقة بالمستقبل والقلق المستمر بشأن الاستقرار المالى، وزيادة الضغط النفسى فيجدون أنفسهم فى مواجهة صعبة مع إدارة التوازن بين الحياة العملية والشخصية وعلاقاتهم الاجتماعية فيسبب شعوراً بالعزلة والضعف.
ومن هنا يجب تعزيز الحماية الاجتماعية من خلال توسيع نطاق التغطية الصحية والتعليمية وتقديم برامج دعم للعائلات ذات الدخل المحدود، وتقديم مساعدات مالية للأفراد الذين يواجهون صعوبات اقتصادية ويعد الوضوح والشفافية فى السياسات النقدية المستقبلية والأخذ بعين الاعتبار ما يطرح من تحديات تواجه هذه الطبقة ومشاركتهم الرأى من أهم وأقصر الطرق لدعمها.
وأخيراً وليس آخراً فالحفاظ على هذه الطبقة التى تعد الوتد الذى يحافظ على المجتمع من الانهيار أمام كل هذه الضغوطات سيسهم فى تحسين وتعزيز الوضع الاقتصادى والاجتماعى ويساعد على خلق بيئة أكثر استقراراً وتوازناً.