ما يحدث فى العالم من صراع شرس بين «الأقطاب الكبرى» خير دليل على أن هناك «لاعبين أساسيين» يحرّكون الأحداث من وراء الستار حتى تكون النتائج فى صالحهم، «الأقطاب الكبرى» يلاعبون بعضهم فى غير أراضيهم أى على أراضى الغير، لذلك يكون هناك ضحايا أبرياء لهذا الصراع، ضحايا لا ناقة لهم ولا جمل، «اللاعبون الأساسيون» يدركون أهدافهم جيداً لكن لا يبالون بالضحايا، لا يجد الضحايا من يُغيثهم ولا ينجدهم ولا يحميهم، فقد دخلت بلادهم -بقصد أو بدون قصد- فى جولات من التناحر جعلت أرضها خصبة للانقسامات والفتن وجلبت -بقصد أو بدون قصد- التدخلات الأجنبية، تغافل الضحايا بأن الخارج لا يتدخل هباء بل يتدخل لتحقيق هدفين اثنين لا ثالث لهما (زيادة الفجوة بين أبناء الوطن الواحد لتوسيع دائرة الانقسامات - تحقيق أطماعه فقط)، الضحايا ليسوا من أولويات أو حتى ضمن حسابات طرف من الأطراف، فلا أحد يعمل لهم أى اعتبار، فقط يتم التركيز عليهم حينما تكون المُهمة انتهت دون رجعة بتقسيم البلاد وضياعها، حالة واحدة فقط يتم فيها التركيز على الضحايا حينما تكون المنظمات الإغاثية تريد تقديم غذاء ودواء وكساء، فى هذه اللحظة فقط يتم الاعتراف بالضحايا أما غير ذلك فلا اعتراف بهم.
العقل يقول: الانتماء للوطن لا بد أن يكون هو الشغل الشاغل، الانتماء لتراب الوطن هو الحل، وطنى هو سندى، أرضى هى عرضى، جيشى هو كيانى وعمودى الفقرى، قائدى الذى وثقت فيه هو (البوصلة) التى لا بد أن أتوجه إليه.. فالحفاظ على الوطن ليس بالشعارات الرنانة ولا بالكلمات الحماسية لكن بالأفعال الجادة ونكران الذات والعمل على رص الصفوف والاصطفاف خلف القائد الشريف والجيش العظيم والتأكد من أن جميع المخططات الخارجية التى تُهدد أمن واستقرار الوطن ستتحطم -مهما زادت ومهما عظمت- تحت أقدام الشعب المُتماسك داخلياً والرافض لكل سُبل الفُرقَة.
عيشنا وشوفنا محاولات كثيرة لتفتيت الدول من الداخل وتقسيمها، شاهدنا هدم الدول على الهواء مباشرة، رأينا خيانة وهواناً ودماراً وقتلاً، والذى يدعونا للأسى أننا رأينا صناعة للإرهاب وصناعة للثورات وصناعة لمسار تقسيم الدول مرسوم حرفياً بالخارج.. مثلاً: إرهابى معروف عنه انتماؤه لتنظيم القاعدة ومُدرَج على قوائم الإرهاب وقضى سنوات طويلة فى (تورا بورا) فى شرق أفغانستان، يتم القبض عليه فى إحدى الدول ويتم سجنه فى سجن أبوغريب فى العراق، فجأة تنقطع أخباره لسنوات ثم يظهر فى لوك جديد ويتخلى عن رداء تنظيم القاعدة ويعود فجأة إلى بلاده ويتم وصفه بـ(الثائر)، ليس هذا فقط، بل يوصف بـ(أبوالثوار)، يلتف حوله رجاله وتلاميذه الذين كانوا معه فى تنظيم القاعدة سابقاً لسنوات طويلة، يشكلون حزباً جديداً أو جبهة جديدة أو تنظيماً جديداً، المهم يتم تسليط الضوء عليهم، ويلتقون بعدد من السفراء الأجانب والدبلوماسيين المُقيمين فى بلادهم ويتم دمجهم فى الحياة السياسية، يضغط السفراء الأجانب والمبعوثون الدوليون لإدراج أسمائهم ضمن القوى السياسية المُشاركة فى صياغة دستور جديد للبلاد وبالتالى يخوضون منافسات البرلمان وينجحون -طبعاً- بِحُكم بالتهديد والوعيد والسلاح والتنظيم والضغوط الدولية.. وللأسف يصبحون هم القوى الفاعلة بعد أن صاغوا دستوراً جديداً ونجحوا فى البرلمان وأصبحوا هم الأكثر وجوداً وتأثيراً ويصبح مصير بلادهم فى أيديهم.. للأسف: يصبح مصير بلادهم فى يد من أتى بهم، رغم أنهم إرهابيون مُدرجون على قوائم الإرهاب الدولية، وتضيع الدول وتصبح ثرواتها وحدودها وقرارها وأراضيها تحت رحمة الخارج.. إنه فن تحويل الإرهابى الدولى إلى ثائر مِقدام، إلى قائد مِغوار.. فن تحويل الإرهابى المُتطرف الذى كان يدعو للقتل والذبح إلى مدنى يدعو للمدنية والحرية.
لا تتعجبوا ولا تندهشوا ولا تضربوا كفاً بكف، لأن الأمثلة على ذلك كثيرة فى جميع الدول التى شهدت ما أسموه بـ(ثورات الربيع العربى).. إنها ليست «ثورات الربيع العربى»، بل إنها «فوضى وإرهاب وخيانة أوطان وضحك على الذقون وأشياء أخرى».