صبيحة يوم السادس من نوفمبر عام ١٨٥٨م قرر سلطان، العامل فى رعاية المواشى بدائرة إلهامى باشا بن والى مصر عباس باشا حلمى، أن يتغيب عن عمله، كانت مزرعة المواشى التى يعمل بها سلطان تقع فى موقع بعيد عن الشطر المعمور من القاهرة، يعرف بصحراء الحصوة التى ستمتد لها أيادى العمران وتصبح لاحقاً حى العباسية الشهير، بعد يومين من الغياب ذهب سلطان إلى عمله وكان فى انتظاره عمر بك وصفى، ناظر دائرة الباشا.
بالطبع لم يحذره من الغياب أو يحوله للتحقيق، بل قرر على الفور عقاب العامل البسيط بأن قام بتجريده من ملابسه وتقييده وشرع فى جلده بسوط سودانى رهيب، تجاوزت الجلدات أكثر من ألف وخمسمائة جلدة، وبلغ من شناعة التعذيب أن سلطان المسكين صار يتقيأ دماً وينزف حتى أصيب بحالة إعياء شديد، ولأن عمر وصفى كان رجلاً فظاً غليظ القلب، فقد أمر بسبك الرصاص على القيود المعدنية التى قيد بها قدمى ويدى سلطان.
وأمر بمنع الطعام والشراب عنه، ولم يجرؤ أحد على طرح فكرة أن يذهبوا بالضحية إلى المشفى، فكان أن فاضت روح سلطان إلى بارئها بعد ثلاثة أيام، وعند حدوث الوفاة هرع عدد من عمال دائرة إلهامى باشا إلى ثمن الأزبكية لإبلاغهم بالواقعة، فأرسل الثمن -القسم- قوة بقيادة البكباشى صالح أفندى ومعه حكيمباشى لفحص الجثمان، حاول محاسيب البك أن يسرعوا بتجهيز جثمان سلطان للغُسل والدفن.
وأرسلوا فى طلب حانوتية مسجد الدمرداش الذين رفضوا الحضور لشعورهم بوجود أمر غامض، أما معاون القسم والحكيمباشى فقد عاينوا الجثمان ورأوا آثار الدماء على الأرض، وأقروا بوجود علامات تعذيب بارزة على الجثمان، وبطبيعة الحال لم يجزم التقرير بسبب الوفاة، لأن القانون له تفصيل فى هذه المسألة يتعلق بتحديد السبب الذى أفضى إلى الموت حتى يتم توجيه الاتهام على بينة وبصيرة، وفى هذه الأثناء استدعت جهات التحقيق عمر بك وصفى.
وبسؤاله أقر أنه ضرب سلطاناً خمسة وسبعين ضربة بالكرباج بقصد التأديب، وأضاف أن المتوفى كان يعاقر الخمر ويحرض الكلافين على عدم العمل والانتباه للمواشى، وأنهى أقواله أن سبب الوفاة هو الاعتياد على شرب الخمر، بما ينتج عنه من ضعف جسمانى، وأنه لا صلة له البتة بوفاة سلطان، واستدعت الضبطية شهود الواقعة وسألتهم عن عدد الضربات التى وجهها البك لجثمان سلطانن فتراوحت أقوالهم بين ثلاثماىة وستمائة ضربة.
أما بخيت السائس فقال إنه كان يحصى الضربات على مسبحته بما يعنى أن ثلاث دورات على المسبحة تعنى مائة ضربة، وأقر فى النهاية أنه أحصى ألفاً وخمسمائة جلدة مزقت لحم وعظم سلطان أمام الأعين التى شاهدت فى صمت، لم يكن لدى عمر بك وصفى محامياً من هؤلاء الذين يجيدون تلقين موكليهم ما يقولون من أقوال وينفذون لثغرات القانون لتبرئة ساحة من لا يرجى له براءة، قرر عمر بك أن يلقى بالكارت الأخير بعدما تم التضييق عليه ومطاردته بين منزله فى الحلمية ومكتبه فى العباسية، فعرض رشوة قدرها مائة وخمسون جنيهاً ذهبياً لمأمور الضبطية، الذى كان راتبه لا يتعدى سبعمائة قرش، غير أن المأمور أثبت الرشوة فى ملف القضية.
وبعدما اكتملت أركان القضية ورد تقرير نهائى من استبالية القصر العينى أكد أن سلطان قضى نحبه كأثر للضرب المبرح، ورفعت القضية برمتها لمجلس الأحكام الذى أحال القضية لعباس باشا حلمى، حاكم مصر المطلق، الذى اكتفى بنفى عمر بك وصفى خارج البلاد، جزاء ما اقترفت يداه من جرم، بالطبع كان ذلك حكماً يسهل التحايل، غير أنه كان خطوة ذات دلالة على نشأة نظام قانونى يعترف بالتحقيقات والتقارير الطبية وشهادة الشهود، هكذا انتهت قصة سلطان العامل المجهول، الذى توارت قصته بين وثائق مجلس الأحكام منذ ما يزيد على مائة وستين عاماً.