.. فى (١٢ مارس ١٩٧١) كتب الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل مقالاً شهيراً بعنوان «تحية للرجال» قال فيه كلمات ذات مغزى، وعَبَّرَت عن مدلول فى غاية الأهمية، وجَّه خلاله التحية للرجال الذين يتحملون مسئولية وواجب القتال من أجل تحرير سيناء.
وقال فى المقال نصاً: (لقد كان لا بد -اليوم- من وقفة بالتحية أمام الرجال الذين قد يضع التاريخ فى أيديهم، ومع أى لحظة، مسئولية وواجب القتال من أجل التحرير، لا بد لى اليوم من وقفة بالتحية أمام هؤلاء الذين يحملون الآن أغلى أمانة فى تاريخ مصر، هؤلاء الذين صدرت إليهم الأوامر ليكونوا على استعداد دائم، يصل الليل بالنهار والنهار بالليل تحسباً للحظة قد تجىء فى أى وقت، هؤلاء الذين سينطلقون مع عواصف النار والدخان والرعود الداوية والبراكين الهادرة على الأرض والصواعق الطائرة فى السماء، هؤلاء العاملون فى صمت، المقتحمون فى جسارة، المضحون فى جلال، الزاحفون، برغم كل شىء، إلى هدف يتحتم بلوغه لأن أمن مصر وقدر مصر ومستقبل مصر معلقة به، وأمن مصر وقدرها ومستقبلها هى نفسها، أمن وقدر ومستقبل أمة بأسرها تعيش نقطة فاصلة فى تاريخها، هؤلاء الرجال على جبهة القتال المصرية لا تكفى لتحيتهم اليوم عيون القصائد من دواوين الحماسة، ولا تنصفهم منابر الخطابة مهما اهتزت وارتجت عاطفةً وانفعالاً).
.. وبالرغم من أننى أختلف اختلافاً شديداً مع ما تم ذكره فى بقية المقال -إلا أننى أحتفى بهذه المقدمة والتى أعتبرها من أفضل ما كُتب لتشجيع أبناء «مصر» على جبهة القتال وبث روح التضحية والصبر والمُثابرة بداخلهم ودفعهم للأمام للاستعداد لخوض معركة العبور التى كُنا ننتظرها بفارغ الصبر.. أحتفل بمقدمة مقال -الأستاذ- هيكل فى مقال (تحية للرجال) لأننى أرى أنها تناسب أواننا وعصرنا ومُلائمة جداً للأحداث التى نعيشها.
.. على ما يبدو فإن ما يجرى فى منطقة الشرق الأوسط من تغييرات طارئة تجعلنا حريصين على توجيه كل التحية للرجال الشُجعان الذين يحمون وطننا الغالى ويسهرون على أمنه وسلامته ويضعون استقراره نُصب أعيُنهم، كل التحية والتقدير للرجال الأوفياء الأُمناء على «مصر» وشعبها، كل التحية والتبجيل لمن وضع حياته ثمناً لاستقلال الوطن واستقلال قراره، كل التحية والتوقير لمن قال: إحنا نروح نموت أحسن لو تم ترويع شعبنا وأهلنا وناسنا، كل التحية والتعظيم لمن قال: نموت ولا يدخل «مصر» خسيس وجبان، كل التحية لأبنائنا الذين دفعوا الغالى والثمين وسالت دماؤهم على رمال سيناء وكانوا الدرع والسيف وتصدوا للإرهابيين قبل أن يُدنسوا أرض الفيروز.
فى لحظات كثيرة، وعلى مدار التاريخ، كتب الشعب المصرى أروع الأمثلة على إخلاصه للوطن وتضحياته من أجل أرضه، والآن الكل يتحدث عن عبقرية وعظمة المصريين وتلاحمهم فى أوقات الشدة ويضربون المثل فى الفداء دفاعاً عن الوطن، الوطن يُنادينا نُلبى النداء، نصطف معاً لنمنع أى مُؤثر خارجى أو تهديد خارجى على شعبنا، لا ننظر للدنيا ومتاعها طالما هناك تهديد خارجى ونجرى وفى لمح البصر نقف على الحدود لنقطع أرجُل من يخطو تجاه حدودنا، كلمتنا واحدة وعيوننا صاحية وضمائرنا حية وحماسنا لا يتوقف ونحن نتصدى لأى تهديد خارجى يهدف لزرع الفتن بيننا وتقسيمنا.