مع توالى الأخبار الواردة من سوريا تشعر وكأنها أخبار حديثة وقديمة فى نفس الوقت، ورغم دخول جميع اللاعبين هناك فى رقصة موت كلاسيكية شاهدناها كثيراً فى العديد من روايات التاريخ فى المنطقة، ورغم أن حفل الموت قد تحول إلى حفل تنكري ذي مستوى ردىء وأقنعة مهترئة وأداء غير مقنع لكل الحاضرين.
غير أنه لا جديد فى كل ما يحدث على ضفاف الفرات، لا فى الأهداف ولا الخطط ولا حتى الأدوات، الجديد فقط هنا هو بعض من بقع المكياج التى وضعها اللاعبون على وجوههم كى تبدو العجوز الشمطاء وكأنها فتاة عشرينية مثيرة، وكى يبدو الخراب ثورة والاقتتال الداخلى وحدة وطنية وتعايشاً مع الآخر وأحدث نسخة من مرجع الديمقراطية المقدس!
التغطية الإعلامية التقليدية كما هى عبر استوديوهات الأخبار السينمائية، الطواغيت أصبحوا طراطير، ولا تعرف كيف كانوا فى الماضى طواغيت ثم أصبحوا اليوم فجأة طراطير، فجأة تحول الطائفيون وقاطعو الرؤوس إلى ديمقراطيين طيبين ودعاء كالحمائم، فجأة اختفى المشهد التقليدى للحى الطويلة والجلابيب القصيرة والأحذية البلاستيكية وحل محله «نيو لوك» جهادى جديد بسترة عسكرية وذقن قصيرة مهذبة ومحددة.
انتهى أبومحمد الجولانى ووُلد الزعيم السياسى الكبير أحمد الشرع، وبدلاً من أن تبحث السى إن إن عن تدعيم موقفها المالى المتردى بمكافأة 10 ملايين دولار عرضتها الاستخبارات الأمريكية مقابل أى معلومة عن الزعيم السياسى الحالى والإرهابى السابق، ذهبت لتُجرى معه حواراً صحفياً ركيكاً عديم القيمة والفائدة!
الأدوات التنفيذية أيضاً كما هى، تركيا، إيران، الإخوان المسلمون، آليات الهجوم، المقاتلون الأجانب الذين اقتحموا المنطقة من كل بلاد العالم، فجأة لحس العثمانيون الجدد كل تفاهماتهم وعهودهم وكأنهم يقدمون أنفسهم كحلفاء للرئيس الأمريكى الجديد الذى لم يكن يشعر بالود تجاههم أثناء ولايته الأولى.
فجأة باع الإيرانيون كل أدواتهم فى المنطقة، وتركوهم وتركوا بلادهم أثراً بعد عين وأطلالاً تبدو وكأنها لم ترَ الحياة يوماً ما، فجأة اكتشف الإخوان أن الآخر يمكن التعايش معه فى سلام وأمان، فجأة انهمر المجاهدون على سوريا كالمطر، وكل هذا يحدث بلا سبب واضح!
وحتى الأهداف لا يبدو فيها شىء جديد، التوسع الثالث لإسرائيل الذى يستهدف مناطق بعينها فى الإقليم التعيس، ولكن هذه المرة تعلوها صراعات عرقية وطائفية لتوفير أسباب التوسع، فكما يقول الموظف المصرى «تظبيط الشغل أهم من الشغل».
ولكى يتم «تظبيط» الهدف لا بد أن نرى شيعة وسنة، عرباً وأكراداً، أكراداً وأتراكاً، ثم يتوسع وينتشر الإرهاب وتسود الفوضى «المنظمة» فى المنطقة، وفجأة تطلب إسرائيل مناطق عازلة لحماية نفسها، وفجأة يقرر المخرج أن يقلب الطاولة على الجميع ويهدم كل الديكور الذى بناه على عجل لكى يصبح الطريق ممهداً لتحقيق الهدف الرئيسى بلا مجهود ولا خسائر!
ولا تسأل عزيزى القارئ عن السبب فى كل هذه المتغيرات، فلا أحد يهمه رأيك سلبياً كان أو إيجابياً، «المخرج عايز كده»، ويبدو أن المخرج لا يمتلك الوقت الكافى لنسج السيناريوهات وكتابة النصوص والاستغراق فى التفاصيل، ولهذا فقد قرر إغراق السوق بهذه السلعة بعد تغيير الغلاف فقط، لعلها تترقى فى السوق ويتلقفها الدهماء ومحدودو الفكر والثقافة، ويزيد الطلب عليها لتصبح رقم 1 فى السوق!
وسط ضجيج هذه الأنباء المكررة، ومتابعة تفاصيل كل هذه السيناريوهات المملة والباهتة، تجد نفسك ممسكاً بالجرائد مندهشاً، محدقاً فى شاشات الأخبار السينمائية ملتاعاً، متذكراً كل ما قرأته فى حياتك عن دورات التاريخ التى لا يتعلم منها أحد، وتمد يدك للمخرج قائلاً: «شُفتك فين قبل كده؟»!