قد تهدأ الرؤوس أو لا تهدأ.. لا شىء يهم، سقط الأسد وأخذ معه دمشق إلى العالم السفلى الذى لا يحكمه سوى آلهة الحرب والموت والطاعون؛ يهتف المنتشون وكأن «أحمد الشرع» هو يسوع المخلص فى ثياب كاكية اللون، ناسين أو غافلين -الكل سواء- أن من تربى على يد الزرقاوى وأقسم بالولاء لأيمن الظواهرى وأعطى البيعة لأبوبكر البغدادى.. ليس إلا قاتلاً ومُستعبداً للبشر الأحرار، بل خائن أيضاً.
بدايات وخيانات
بعد أن نشأ وتربى داخل تنظيم القاعدة على يد أبومصعب الزرقاوى.. قرر الانفصال والانضمام بفريقه وقتلته لما أُطلق عليه دولة العراق الإسلامية فى عام 2011 أو ما عُرف بعد ذلك باسم «داعش»، إلا أن طموحات «أحمد الشرع» الذى لم يُكمل دراسته الجامعية كانت أكبر بكثير من أن يتم احتواؤه تحت قيادة تنظيمية تعلوه فى التراتبية، وهو ما جعله يخون قيادته الأعلى ذاهباً بيمين الولاء والطاعة لـ«أيمن الظواهرى»، قائد تنظيم القاعدة آنذاك، ليتم إنقاذه من «داعش» ويصبح لأحمد الشرع تنظيمه الخاص فى سوريا، وهو ما أثار حفيظة أبوبكر البغدادى قائد تنظيم داعش فى ذلك الوقت؛ وهنا لم يتردد أحمد الشرع (أبومحمد الجولانى) فى محاربة الدواعش داخل سوريا فى أكثر من معركة (كنت معاصراً وشاهد عيان عليها خلال عملى الصحفى داخل الأراضى السورية آنذاك).
ماذا يريد الجولانى؟
وإن أشارت هذه المعارك إلى شىء؛ فإنما تشير إلى أن أحمد الشرع لا يحارب لنصرة الإسلام، فقد رفع السلاح فى وجه رفاقه، بل وأمر بقتلهم، وكذلك فهو لا يحارب لأجل سوريا ولكن من أجل أن يحكم هو سوريا!! ولا يجب إغفال أن جبهة النصرة أو جبهة تحرير الشام أو جبهة فتح الشام قد قامت بشن حروب وهجمات ضد فصائل أخرى من المعارضة السورية واستولت على أراضٍ يُفترض أنها كانت تحت سيطرتهم مثل ما حدث مع «الجيش السورى الحر».
حرب ضد سوريا أم ضد الغرب والمحتل؟
اللافت للنظر أنه فى عام 2012 الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد صنفت جبهة النصرة بكافة مسمياتها كمنظمة إرهابية دولية وكذلك أبومحمد الجولانى باعتباره «إرهابى دولى»، بل وضعت مكافأة ضخمة على رأسه التعيس، وقد يكون ذلك هو ما دفعه للتصريح ببيان صوتى فى 28 سبتمبر 2014 بأنه سيحارب الولايات المتحدة وحلفاءها ليعود مرة أخرى فى مقابلة صحفية أجراها مع (الصحفى الإخوانى أحمد منصور) لصالح قناة الجزيرة فى مايو 2015؛ واصفاً مباحثات چنيف للسلام بأنها مهزلة ومدعياً أن الائتلاف الوطنى لقوى الثورة المعارضة مدعوم من الغرب ولا يمثل الشعب السورى، ثم استخدم جملة «وليس له وجود برى فى سوريا» أى أن الثِقل السياسى أمر لا يهم الجولانى فى شىء والأمر الوحيد الهام هو الثقل العسكرى!! فهو كل ما يلزم الجولانى لإسقاط الدولة السورية وإحكام السيطرة على ما قد يتبقى منها.
ذكر الجولانى أيضاً فى هذا الحوار أن النصرة ليس لديها خطط لمهاجمة أهداف غربية؛ وأن أولويتها تُركّز على محاربة النظام السورى وحزب الله، بالإضافة إلى داعش. لقد قال الجولانى حينها: «جبهة النصرة ليس لديها أى خطط أو توجيهات لاستهداف الغرب. تلقينا أوامر واضحة من أيمن الظواهرى بعدم استخدام سوريا كمنصة انطلاق لمهاجمة الولايات المتحدة أو أوروبا».
هذا هو الأمر الغريب بحد ذاته، فالرجل يدّعى هو ومن معه أنهم يد الله لنصرة الإسلام وتخطيهم الأرض وتحريرها ولكنه لم ولن يتحرك تجاه الغرب المحتل أو الولايات المتحدة التى صنفته إرهابياً أو حتى الكيان الصهيونى الذى يحتل مرتفعات الجولان السورية ولكن هدفه هو بشار ورجاله.. ماذا عن الآن وقد رحل بشار، هل يوجّه «أحمد الشرع» رجاله وعتاده لتحرير الجولان أم أن هذا ليس ضمن نطاق الأولويات؟!
الإجابة أتت من الجولانى نفسه منذ أكثر من ثلاث سنوات حين تراجع للمرة الثانية وبنبرة الخضوع عن تهديد الولايات المتحدة الأمريكية فى مقابلة أجراها مع الصحفى الأمريكى مارتن سميث فى فبراير 2021 حين قال بوضوح وخنوع: نحن لا نشكل أى تهديد للولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الإدارة الأمريكية رفعنا من قائمتها للإرهاب. وأضاف: كنا ننتقد بعض السياسات الغربية فى المنطقة، أما أن نشن هجمات ضد الدول الغربية، فلا نريد ذلك.. كم هو رائع ذلك الرجل الذى يهتف البعض الآن له محتفلين باعتلائه السلطة وإسقاطه دمشق!!
السيناريوهات الخمسة
لم يبق لسوريا سوى خمسة مصائر والأخير هو الأقرب والأخطر
الأول:
قيام جمهورية سوريا الديمقراطية من خلال تحالف أحزاب المعارضة بمختلف فصائلها وأيديولوجياتها، وهو الأصعب والأبعد عن المعطيات الراهنة، خاصة أن احتمالية الجلوس على مائدة حوار متزن تجمع الجولانى مع بقية تيارات المعارضة أمر مستحيل من وجهة نظر رجل يرى أنه حاكم بأمر الله يلقبه أتباعه بـ«الشيخ الفاتح».
أما بخصوص المعارضة المدنية السورية فما زالت الفرصة أمامها لخلق معادلة تحظى فيها بدعم من تركيا وروسيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية وبمشورة ومشاركة مصرية، كون من شأن هذا الخيار الحفاظ على سلامة سوريا.
الثانى:
إعلان قيام «جمهورية سورية إسلامية» نواتها تنظيم «هيئة تحرير الشام» الإرهابى. فى هذا السيناريو، ستكون إدارة سوريا فى يد ممثلى التيار السلفى الذين «لا يحملون عداء أيديولوجياً لإسرائيل والولايات المتحدة». وهو الأقرب زمنياً وإن كان عمره قصيراً للغاية، خاصة فى متغيرات سياسية وعسكرية كثيرة وسريعة فى الشرق الأوسط بشكل عام وفى منطقة الشام بشكل خاص، إضافة لحالة السيولة السياسية والعسكرية التى تعم الأراضى السورية.
الثالث:
قيام «دولة مناهضة للشيعة تحت سيطرة إسرائيل» فى سوريا. وسترتكز عقيدة هذه الدولة على مواجهة النفوذ الإيرانى، وفرض حصار على «حزب الله» اللبنانى وحرمانه من الدعم اللوجيستى والعسكرى الذى تقدمه طهران. قد يكون لهذا السيناريو حظ من التحقق فى ظل السيناريو الذى يسبقه، خاصة بعدما استهدف الجولانى سابقاً عدداً من قرى الطائفة العلوية.
الرابع:
قيام «جمهورية سورية اتحادية» تحت رعاية الولايات المتحدة. وسيتم فى مثل هذا السيناريو «تقسيم سوريا إلى دويلات صغيرة متفرقة على غرار دول البلقان»، وهو السيناريو الأبعد زمنياً، وكذلك من منطلقات الواقعية السياسية.
الخامس:
انقسام سوريا وتفككها واندلاع حرب أهلية فيها مرة أخرى، وهذا سيؤدى فى النهاية إلى انهيارها الكامل. إلا أن هذا السيناريو مرهون بنجاح كل من (الأول والثانى) كمرحلة تحضيرية للخامس، والأمر السيئ أن الخط الزمنى المتوقع يسير فى هذا الاتجاه متمثلاً فى دولة إسلامية سنية متطرفة تقود إلى اضطهاد للشيعة فى البلاد والتخوم مع استبعاد القوى المدنية والديمقراطية من المعادلة، ما يؤدى إلى عودة الصراع المسلح مرة أخرى، ولكن بشكل أسوأ، مصحوباً بانهيار تام للدولة.