بدا للبعض أنّ الهروب الآمن للرئيس السوري بشار الأسد وعائلته إلى روسيا وسقوط دمشق، هو في صالح سوريا (الوطن)، ولكن هذا غير صحيح، فلو كان صحيحا ما وصفه بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، بأنّه يوم تاريخي لبلاده، فبعد أن سقطت دمشق بساعات معدودات، استولت القوات الإسرائيلية على قاعدة «جبل الشيخ» التي تصفها قوات الاحتلال بـ«عين إسرائيل» لأنها موقع استراتيجي عسكري يقع في مكان مرتفع يكشف دمشق ولبنان بالكامل، كما استولت على المنطقة العازلة على الحدود السورية - الإسرائيلية التي تم الاتفاق عليها بموجب معاهدة عام 1974، بعد وقف إطلاق النار.
ووقف جنود إسرائيليون يرفعون علم بلدهم المحتل عليها، أثناء انشغال المعارضة -مجازا- بالاحتفال بدخول دمشق رافعين أسلحتهم ومطلقين الأعيرة النارية فى الهواء ابتهاجاً وكأنهم حرروا جولانهم المحتلة، وهذه المنطقة العازلة يا سادة تقع داخل الأراضي السورية بالكامل ويبلغ طولها 200 كيلومتر بعرض يتراوح بين 6 و12 مترا، وتمركزت عليها فرقتان من قوات الصاعقة والمظلات، إسرائيل احتلت هذه المنطقة وهذا الجبل الاستراتيجي دون أن تطلق رصاصة واحدة ودون أن تعرض جنودها لأي إصابة!
أليس هذا نجاحا وفوزا ساحقا لإسرائيل؟!.. وقد ذكر مسؤول إسرائيلي أنّ الأماكن الجديدة التي احتلتها بلاده في سوريا تم إبلاغ الإدارة الأمريكية بها، وأيضا بالتنسيق معها!.. كما شنت إسرائيل غارة جوية دمرت فيها مطاري سوريا ومبنى المخابرات.
أما أحمد الشرع الشهير بـ«الجولاني» فقد دخل دمشق دخول الفاتحين، وقبل أن تطأ قدمه العاصمة سجد على أرضها شكرا، وقد ظهر من جانبه الأيمن «طبنجة» مثبتة في حزام بنطلونه، ثم توجه إلى المسجد الأموي ليعلن باسم المعارضة انتصارهم الكاسح والمظفر على نظام بشار الأسد.
ولم يعلن ولو بكلمة واحدة عن نيته أو نية أفراد المعارضة الآخرين عن تحرير سوريا «الوطن» من دنس العدو الإسرائيلي الذى أظن -وليس كل الظن إثماً- أن هناك تنسيقاً على أعلى مستوى بينهم -المعارضة وإسرائيل وبشار- لإنجاح إسقاط دمشق، وخروج آمن لبشار وعائلته ومساعدة إسرائيل للجماعات الإرهابية للوصول إلى السلطة وشطب منظماتهم من قوائم الإرهاب، مقابل غض الطرف عن احتلال المنطقة العازلة، وعشرات الأمتار المتنازع عليها فى بحيرة طبرية، والتي طالما أرادت إسرائيل امتلاكها!
الفوز الذي حققته المعارضة سيظل هشا، لأنه تحقق بنفس الطريقة التي بقي فيها حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار الذي ورَّثه حكم سوريا، وهي الاستقواء بالخارج على الداخل والحكم بقوة السلاح، فقد قام حافظ الأسد أثناء حكمه بالاستقواء بالاتحاد السوفيتي لتثبيت حكم العلويين، وأباد مدينة حماة وجزءا من حلب.
وقد ذكر ذلك صراحة الزعيم الشهيد بطل الحرب والسلام أنور السادات في أحد خطاباته العلنية، بينما كشف المشير أبوغزالة في أحد حواراته الصحفية أنّ القوات السورية لم تلتزم بالخطة الموضوعة والمتفق عليها بين مصر وسوريا في حرب 1973، حيث لم تقم القوات الجوية السورية بالضربة الجوية الأولى لتدمير قواعد إسرائيلية، ما أفشل استرداد سوريا للجولان المحتلة!.
ومن بعد الأسد الأب قام بشار بالاستقواء بروسيا وإيران لإبادة المعارضة على مدار الـ13 سنة الماضية، وكان يسمح للطيران الإسرائيلي باختراق مجاله الجوي دون اعتراض وضرب مواقع داخل بلاده، ادعت إسرائيل أنّها لحزب الله. والآن تتحد المعارضة الإسلامية السورية رغم أنّهم فرقاء في التنظيم والتوجهات لإسقاط سوريا مسلحين بأسلحة وعتاد وخطة محكمة استطاعت هزيمة الجيش السوري في 11 يوما، دون أن يدري أحد من أين التمويل ومن الذي وضع الخطة، ومن جعل الفرقاء يتحدون.
ومن أسقط المكافأة التي رصدتها الولايات المتحدة من قبل لمن يرشد عن (الجولاني الإرهابي)، ومن الذي جعله بين يوم وليلة زعيما للمعارضة محررا لبلاده، أعتقد أن لا أحد يستطيع إلغاء مكافأة رصدتها أمريكا إلا أمريكا نفسها أو إسرائيل، ولا يوجد أحد على وجه الأرض له مصلحة في إحداث هذه السيولة في سوريا سوى إسرائيل.. وقد تنبأت بهذا التقسيم الذي تعرضت له سوريا الشقيقة في مقالي الأسبوع الماضي في هذا المكان، الآن انضمت دمشق إلى سلسلة سقوط العواصم العربية بعد بيروت وصنعاء وبغداد.
والسؤال الذي ستبقى إجابته لغزا: أين ذهب الجيش السوري، وكيف سيتم التعامل معه؟ أرجو ألا يثور إلى ذهن البعض أن سردي لهذه الحقائق السابقة هو دفاع عن نظام بشار الأسد، أو رضائي عما كان يفعله بقتل الشعب أو سجن المعارضين والنساء والأطفال السوريين، والتجاوزات اللاإنسانية فى سجن «صيدنايا» بريف دمشق.
الوضع لا يزال غير قابل للتنبؤ بما سيحدث فى اليوم التالي، ولكن كل الشواهد لا تنبئ بخير، فوصول الجماعات الإسلامية للحكم في أي مكان يقضي عليه وخاصة إذا كانت مسلحة ومدعومة من الخارج.. وما زلت عند رأيي أن سوريا مفترى عليها.