تتسارع الأحداث في سوريا الشقيقة، وتتسارع معها دقات قلوبنا، وقد كشفت التطورات في الأيام القليلة الماضية عن أمور كثيرة توجب إعادة النظر في أمور كثيرة ومفاهيم سادت في السنوات الماضية، ففي مطلع القرن الحالي أعلنت واشنطن على لسان وزيرة خارجيتها كوندوليزا رايس عن مخطط أمريكي للوطن العربي باسم الربيع العربي، وانخدع فيه كثيرون قبل أن يكتشفوا أنّه «ربيع عبري».
ومن أخطر ما عملت الولايات المتحدة عليه هو تطبيق شعار «فرّق تسد» الذي يهدف إلى تفتيت الوطن العربي إلى دويلات عرقية وطائفية، باعتبار ذلك الضمان الوحيد لبقاء إسرائيل في المنطقة، كما أعلن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر تأسيس المشروع الجهنمي على قاعدة اختلاف الديانات وتشكيل تنظيمات إرهابية بغطاء إسلامي، وكل طائفة فيه تحارب الأخرى، فالشيعي ضد السني، والعلوي ضد الدرزي، والمسلم ضد المسيحي، والعربي ضد الكردي، إلى آخر الانقسامات التي تتزايد في ظلها الكراهية، التي تقود إلى التقاتل، وإحالة كل دولة عربية إلى ساحة حرب مفتوحة ومستمرة، مع إهمال حقوق الشعب وتكميم الأفواه بوحشية في معظم الأحيان، ما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع واستشراء الفساد دون رادع.
وبالتالي يتم تغييب الوعي الشعبي عن مكمن الخطر الحقيقي وترابط الإرهاب مع الدولة التي تكلفها واشنطن بتنفيذ التفتيت، وهي الدولة الصهيونية التي خرج علينا رئيس حكومتها النتن ياهو يعلن بتعالٍ لا نظير له أنّه وفقا لقراره بتغيير الشرق الأوسط، سوف يعتبر الجولان السوري المحتل، والذي «أهداه» الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى الدولة الصهيونية، في ازدراء كريه لحقوق الشعوب في أوطانها، جزءا لا يتجزأ من الدولة الصهيونية، دون أن يجد صوتا واحدا لأي حركة أو تنظيم ممن دخلوا إلى سوريا بعد رحيل بشار الأسد يحتج على هذا التصريح الذي يؤكد أنّ الولايات المتحدة هي التي وراء هذا الصلف الإسرائيلي الذي لم يشهد له التاريخ مثيلا في العدوان القاتل، الذي تمارسه أداة واشنطن في المنطقة دون أدنى احترام لسيادة الدول أو لحق الشعوب في الحياة باحترام.
وحيث إنني من جيل قديم فقد ألح عليّ سؤال، هو لماذا وقف السوريون موقفا سلبيا من إقصاء الرئيس بشار الأسد وترك الميليشيات الإرهابية تطرد وتطارد أي سوري يحاول التصدي لها؟ هذا موقف له دلالة عميقة، حيث كنت في التاسع من يونيو عام 67 أتابع أخبار العدوان الصهيوني على مصر، وهجوم الصهاينة الهستيري على الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، من إذاعتيّ صوت أمريكا وتل أبيب، والتعبير عن سعادتهم الغامرة بإقصاء «عبدالناصر» عن الحكم، فإذ بنا نُحوّل سعادتهم إلى مأتم، عندما هرعنا إلى الشارع بالملايين، نتمسّك بزعامته، وكان هذا المساء بداية حرب الاستنزاف المجيدة، التي أذاقت الأعداء المر.
فلماذا لم تنزل مظاهرة واحدة، تُعلن رفض رحيل بشار الأسد؟ هذا درس لكل قادة دول الوطن العربي، فالوحدة الشعبية هي السلاح الوحيد والجبار ضد العدوان، حتى لو كان مدعوما من أكبر الدول قوة، مثل أمريكا وبريطانيا.
قلبي ينزف حزنا على ما تعانيه سوريا الآن، وأملي أن نفوق جميعا لكارثة «الربيع العبري والشرق الأوسط الكبير»، ونواجه المخططات الشريرة، بالاعتماد على وحدتنا، خاصة أنّ أعداءنا يستخدمون في حربهم الشعار الاستعماري الخسيس «فرّق تسد».