إذا أردنا فهم ما يجري في منطقة الشرق الأوسط، فعلينا أن نعود إلى الزمن الذي تصاعد فيه الصراع بين سكان المنطقة من العرب الذين صاروا مسلمين وبين أوروبا البيزنطية ثم الصليبية إلى الاستعمار الذي اكتسح العالم في العصر الحديث ومنه المنطقة العربية.
الحديث عن ذلك يأتي بمناسبة أحداث سوريا الأخيرة بعدما رحل عن الحكم بشار الأسد، الذي حكم ووالده حافظ الأسد لمدة 54 عاما، ولا يختلف اثنان على أنّ ما حدث في سوريا زلزال جيوسياسي ستكون له تبعات فارقة في التاريخ والجغرافيا وفي الاستراتيجية العالمية. فلم يألُ الاستعمار في صوره المختلفة، وهو في كل الأحوال أوروبيا، جهدا في السعي للسيطرة على المنطقة ومقدراتها وتغيير هويتها بكل السبل لتطويعها وإخضاعها.
علينا أن نعود إلى نهايات القرن التاسع عشر وجهود الصهيونية لإقامة دولة لليهود فى فلسطين حتى غزو العراق وتدميره حرفيا ونهب ثرواته وتفكيكه وتحويله إلى دولة فاشلة. تلاعب الغرب بالمنطقة وبالعرب طوال فترة القرن العشرين، بدءا من صدور وعد بلفور عام 1917، ثم خداعهم ودفعهم للمشاركة في الحرب العالمية الأولى في صف بريطانيا والحلفاء ضد دولة الخلافة العثمانية، ما أدى إلى سقوط الخلافة الإسلامية لأول مرة منذ عهد الخلفاء الراشدين، ثم مؤامرة سايكس بيكو وتقسيم الأمة إلى دول رُسمت حدودها على الرمال وليس من خلال الواقع والحرص على تأجيج الصراعات بين الأشقاء بسبب الحدود التي تُثير النزاعات العرقية والدينية والطائفية. وعلى مدى تلك الفترة الممتدة بقيت رمال المنطقة ملتهبة بسبب ما دار عليها من حروب لم تهدأ ولو قليلا.
أطلق الاستعمار على المنطقة اسم «الشرق الأوسط» وطور الاسم مرات عدّة، فكان أحيانا الشرق الأوسط الكبير أو الشرق الأوسط الواسع أو الشرق الأوسط الجديد. وضع الاستعمار هدفا له هو السيطرة على تلك المنطقة الممتدة من المغرب العربي حتى باكستان، وهي المنطقة التي تحتل موقعا استراتيجيا من حيث الجغرافيا، وتملك ثروات يرى المستعمرون أنّ أهلها لا يستحقونها، بجانب سبب آخر جوهري في الاستراتيجية الدولية، وهو إطلالها وسيطرتها على الكثير من المحيطات والبحار والخلجان، ما يجعلها تمتلك ثورة استراتيجية إضافية.
كل تلك التطورات التي قادتها في البداية بريطانيا ثم آلت تركتها إلى أمريكا كانت بالاتساق مع وجود إسرائيل بعدما نجحت القوى الغربية الاستعمارية في زرعها في قلب الوطن العربي، فاصلة شرقه عن غربه.
ومنذ تلك الفترة انغمست أمريكا في كل أحداث الشرق الأوسط والمنطقة العربية، سواء بتحريكها الأحداث أو تدبيرها المؤامرات على البلاد، وفي كل الأحوال كان طريق أمريكا مضرجا بالدماء الغزيرة التي سالت بالسلاح الأمريكي، سواء كان بأيدي أمريكان أو بأيدي صنوهم الصهاينة.
كان وما زال الشعور العربي تجاه الأمريكان مُفعما بالكراهية بسبب ما فعلوه ببلادنا، وما يشجّعون إسرائيل على فعله من قتل وتدمير واغتصاب الأرض.
هذا الشعور بالكراهية يمتد بجذوره إلى مراحل الاستعمار الفرنسي والبريطاني على امتداد دول الوطن العربي وترسّخت الكراهية بصورة أشد ضد الأمريكان الذين يُنكلون بالعرب في كل الأوقات، ساعين إلى جعل إسرائيل دولة كبرى.
كتب الاستراتيجيون والمؤرخون عن أهمية الشرق الأوسط، داعين بلادهم إلى السيطرة عليه وعدم التفريط فيه، لأن بلاده تقع بين القارات الثلاث القديمة، آسيا وأفريقيا وأوروبا، وازدادت أهميتها بعد حفر قناة السويس ووجود الطيران، ورأوا فيه حلقة الوصل بين عالم المحيط الهادي وشرق آسيا وبين أوروبا وأمريكا والمحيط الأطلنطي.
إن الغرب، وعلى رأسه أمريكا، سيواصل سعيه للسيطرة على الشرق الأوسط والتلاعب بجغرافيته، حتى يمكنه التحكم في مجاري المياه والتجارة الدولية وحماية مصالحه الاستراتيجية، وهو ما يومئ إليه ما حدث في سوريا، وما سيحدث بعد ذلك في دول أخرى. كما يسعون لتفتيت الدول العربية بمخططات بريزينسكي وبرنارد لويس لصالح إسرائيل، لتصبح مهيمنة على المنطقة، بإقامة إسرائيل الكبرى.