المشهد الأول: انتشار المسلحين في الشوارع وهُم يُطلقون النار في الهواء، اقتحام المقرات الحكومية، السيطرة على التلفزيون الحكومي، تدمير تماثيل للقادة السابقين وتقطيع صورهم في الميادين العامة، فتح السجون لإخراج وتحرير السجناء، اقتحام البنك المركزي وسرقة ما به من أموال.
المشهد الثاني: استباحة أرض الدولة وحدودها ودخول الأعداء والسيطرة على مساحات شاسعة دون أدنى تصريح من المسلحين أو دراية أو عِلم أو إحساس بالمسؤولية أو حتى ببيان رفض وتنديد وشجب، آلاف السيارات مُتوقفة في الشوارع بطول 4 كيلومترات ولا تجد من يعمل على نجدتها، أجهزة أمنية دولية تعمل بطول البلاد وعرضها على تجنيد عناصر مُسلحة لخدمة أغراضهم، كُلٌّ حسب أهدافه.
ما بين المشهد الأول والمشهد الثاني فرق كبير ولطم خدود كثير وعلامات استفهام أكثر، فهناك من يُفكر للقفز على السلطة بمساعدة قوى خارجية تدفعه للإمام وتمهد له الأرض وتصنع منه أسطورة، وهناك أيضا من يبكي على وطنه ومن يتحسر على ترابه وأرضه وحدوده التي تم اقتحامها، رفض المشهد الأول لا يعني الرضا بالاستعباد والاستبداد والديكتاتورية بل يعني أنّه لا بد أن يضع الجميع مصالح الوطن نصب عينيه، رفض المشهد الثاني لا يعنى أنّ البكاء على أطلال الوطن هو أقصى ما يُقدم للوطن، بالعكس، ووعي الشعوب بمصالحها وأمنها القومي هو الفيصل فى هذه المعادلة الصعبة.
هل تعرفون خطورة أن تكون أجهزة الدولة -أي دولة- الرسمية في يد مجموعة من المسلحين التابعين لسطوة وإمرة من مَوّلهم ودَرّبهم وسَلّحهم وخطط لهم وساعدهم على الوصول للحكم؟، هل تدركون مدى استباحة أراضي الدولة وحدودها؟، هل تعلمون أنّ الخطر الأكبر على الدولة -أي دولة- يأتي من استباحة أسرارها ومُقدراتها وممتلكاتها؟، هل تعلمون أنّ الدولة «أي دولة» في هذه اللحظة لا تجد من يستُرها ويدافع عنها وأنّ هذه اللحظة لحظة فارقة في تاريخها وستضيع وستذهب مع الريح ولن يُكتب لها العودة مرة أخرى؟
حينما تُستباح الدولة - أي دولة - نقول «عليه العوض»، وصول مُتطرفين مُسلحين كانوا مُدرجين على قوائم الإرهاب الدولى - وما زالوا - للسلطة خطأ كبير، واستمرارهم في خداع الشعوب خطأ أكبر، أما العمل على قبولهم رغم العِلم بتاريخهم المتطرف فهو الخطيئة الكبرى.
بالتأكيد، هناك دعم خارجي للتنظيمات الإرهابية المسلحة، دعم بكل شيء، فمن أين أتى المسلحون بسلاحهم المتطور؟، هناك أيادٍ كثيرة تساعدهم في تحركاتهم المدروسة، هناك تعليمات تصدر لهم عن متى يتحدثون؟ وعمّ يتحدثون؟.. ودعونا نتحدث بصراحة أكثر: يتم اختيار هذه العناصر بعناية ويتم تدريبهم تدريبا متواصلا ويتم تحريكهم بكل دقة.
ما نراه الآن من هدم الدول وسقوطها في يد الإرهابيين أصبح سهلا، المسلحون الإرهابيون احتلوا القصور «يا للهوووول» في هذه الحالة فإنّ بناء الدولة صعب جدا وإحداث توافق بين أبنائها من وجهة نظري مستحيل، فالإرهابيون لا يقبلون الآخر ولا يسمحون بالرأي المخالف والمعارض لهم، ولهم ألف علامة استفهام على الأقباط ولهم خطة غريبة وعجيبة للتعامل معهم، ولا يعترفون بحدود الدولة، فتاوى التكفير سمة أساسية من سمات شخصياتهم، هل هذا النموذج المتطرف للحُكم مطلوب الآن في عصرنا الحالي؟ (لا) إذن دعونا ننتظر ماذا سيحدث وماذا ستُسفر عنه الأحداث.. لننتظر ونرَ.