فى الشام تخندق أيضا معاوية بن أبي سفيان، حين عارض مبايعة علي بن أبي طالب، الخليفة الراشد الرابع للمسلمين، واشترط أن يثأر الخليفة أولا من قتلة «عثمان» حتى يبايعه.. كان لعلي بن أبي طالب وجهة نظر تذهب إلى ضرورة تهدئة الأوضاع التي انفجرت وأدت إلى اغتيال الخليفة عثمان بن عفان، وبعد أن تهدأ الخواطر يبدأ في التحرك لإحقاق الحق، لكن «معاوية» لم يرضَ بذلك، لأن مصلحته كانت في استمرار الصراع وليس فى التهدئة.
كان العلويون أو أنصار على بن أبي طالب المحتشدون بالكوفة يرون أنّ الشام باتت بؤرة للفتنة وعاصمة لها، وأنّ أمور الخلافة لن تستتب إلا بالقضاء على المتمردين تحت قيادة «معاوية» بالشام، ونشبت بين الطرفين معركة دموية كبرى في «صفين»، أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من المسلمين من الطرفين، وانتهى الأمر -كما تعلم- باغتيال الخليفة علي بن أبي طالب، وورث الأمر من بعده ولده «الحسن»، وقد تنازل الأخير عن الخلافة لـ«معاوية» حقنا لدماء المسلمين، على أن تعود إليه من جديد عند وفاة «معاوية»، وهو ما لم يحدث بالطبع، إذ مات «الحسن»، رضى الله عنه، مسموما في حياة «معاوية»، وبادر الأخير حين شعر بدنو الأجل إلى انتزاع البيعة لولده «يزيد» بالسيف.
وكان من الطبيعي أن يتواصل مسلسل الفتنة بعد تولي يزيد بن معاوية للخلافة بالقوة والقهر، فقد بدأت المجموعات الرافضة لذلك في التمرد على الخليفة الحاكم في دمشق، وكان أول الثائرين هو الحسين بن علي، رضي الله عنهما، وقد استشهد في كربلاء على يد جنود «يزيد»، الذي لم يتردد في قتل سبط النبي صلى الله عليه وسلم حتى يحتفظ بالحكم، وحدث تمرد على سلطة الأمويين من جانب الأنصار في المدينة، قابله «يزيد» بمذبحة كبرى أوقعها في صفوف أهل المدينة، ثم كان ما تعلمه من مواجهة ما بين الأمويين وعبدالله ين الزبير بن العوام في مكة.
هذه الأحداث المتلاحقة التي شهدتها منطقة الشام جعلت البعض ينظر إلى الشام وكأنها أرض الفتنة، سواء ما يتعلق بإيوائها للمعارضين للخلافة، مثل سعد بن عبادة، أو منذ أن باتت هدفا لتمرد العديد من المناوئين ضد السلطة الأموية التي رسخها معاوية بن أبي سفيان، سواء من جانب الثائرين الكبار ضد هذه السلطة، مثل الحسين بن علي وعبدالله بن الزبير، أو من طابور الثائرين فيما بعد ضد سلطان بني أمية، ممن يطلق عليهم كتاب التاريخ «الخوارج» أو من جانب الشيعة.
واقع الحال أنّ الشام عاشت مركزا للمعارضين للخلافة الراشدة لعدة سنوات، ثم تحولت إلى مركز للحكم الأموي على مدار ما يزيد على 7 عقود من الزمان، وطيلة هذا الوقت كانت الشام مركزا للصراع أو هدفا له، وكان وضعها هذا وضعا طبيعيا، مثلما كان الحال في بغداد، حين انتقلت الخلافة إلى العباسيين، وكما كانت الحال في القاهرة، حين نشأت خلافة الفاطميين ثم خلال حكم الأيوبيين وهكذا.
التباين أو التنوع في وجهات النظر مسألة إنسانية وطبيعية ولا تعبِّر عن فتنة، الفتنة الحقيقية في أن يصبح البشر نسخا باهتة من بعضهم البعض، والصراع جزءا من حياة الإنسان على الأرض، وصدق الله العظيم إذ يقول: «وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ».