منذ سنوات طوال ولمرات عديدة شاهدت فيلما بعنوان «صراع الجبابرة»، الفيلم يدور حول الأساطير اليونانية القديمة، حيث يتناول قصص الآلهة وكبيرهم زيوس المسمى رب الأرباب، في دراما اخترعتها اليونان يحكي الفيلم قصة الصراع بين البشر والآلهة، ويظهر أنّ من الآلهة من هو خير ومنها من هو شر.
اخترع اليونان أساطير محببة يتذوقها الناس في جميع أنحاء العالم، ولطالما كانت الأساطير وما زالت جزءا أساسيا من ثقافات الشعوب القديمة. قصص يتم تناقلها عبر الأجيال، تدور عادة حول الآلهة، والكائنات الخيالية، والأبطال الذين يمتلكون قدرات خارقة. تعود نشأة الأساطير إلى العصور القديمة، عندما كان الإنسان يبحث عن تفسير للظواهر الطبيعية والحياة والموت. كان الإنسان في تلك الفترات يفتقر إلى المعرفة العلمية التي تفسر هذه الظواهر، لذلك لجأ إلى اختراع الأساطير لتفسير ما لا يستطيع فهمه.
كانت الأساطير وسيلة لفهم الكون، وتفسير الظواهر الطبيعية مثل الشمس، القمر، الرياح، والبرق. كانت تُعتبر الآلهة والقوى الخارقة هي المسؤولة عن حدوث هذه الظواهر. على سبيل المثال، في الأساطير الإغريقية كان يُعتقد أن "زيوس" كبير الآلهة هو الذي يتحكم في العواصف والرعد، بينما كان يُنسب القمر إلى إلهة الليل "سيلين". كانت الأساطير توفر إجابات للمسائل الكبرى التي كانت تواجه الإنسان في عصرها.
تعد الأساطير الإغريقية والرومانية الأشهر والتي أثرت في الثقافات الغربية بشكل كبير. منها أسطورة «هرقل» الذي خاض العديد من المغامرات البطولية لتخليص الأرض من الشرور، وكذلك أسطورة «أوديسيوس» التي تجسد رحلة البطل في بحر الخطر والنجاة. كما لا يمكن تجاهل الأساطير المصرية القديمة التي ارتبطت بالآلهة مثل «رع» و«أوزيريس» و«إيزيس»، والتي شكلت إطارا لفهم الحياة والموت والآخرة.
ابتكر الإنسان الأساطير لتلبية احتياجاته الفكرية والروحية. كانت الأساطير بمثابة وسيلة للتفسير والتواصل مع القوى العظمى التي كانت تحكم العالم في ذلك الوقت. كما كان الإنسان بحاجة إلى شرح سبب وجوده في هذا الكون ومصيره بعد الموت، فكانت الأساطير تقدم حلولًا روحية ودينية لهذه الأسئلة. بالإضافة إلى ذلك، كان للأبطال في الأساطير دور في بناء الهوية الثقافية للشعوب، حيث أصبحت الشخصيات الأسطورية رموزاً للقيم الأخلاقية مثل الشجاعة، العدل، والحكمة.
الإيمان بالأساطير كان عميقًا في المجتمعات القديمة، حيث كانت هذه القصص تمثل حقيقة للعديد من الناس. كان الآلهة والأبطال الأسطوريين يشكلون جزءًا من الحياة اليومية، وكان الناس يقدمون لهم القرابين والطقوس. على سبيل المثال، كان الإغريق القدماء يتوجهون إلى معابد الآلهة لتقديم القرابين، وكانوا يعتقدون أنّ آلهتهم ستستجيب لدعواتهم وتحميهم في معاركهم أو تمنحهم الحظ في حياتهم.
مع تطور العلم والفلسفة في العصور الحديثة، بدأ الإنسان يشكك في صحة الأساطير ويفسر العالم من خلال منظور عقلاني وموضوعي. الثورة العلمية والفكرية التي شهدتها أوروبا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، مثل اكتشاف قوانين الفيزياء والطب، أسهمت في تقويض الأساطير. أصبحت الظواهر الطبيعية تُفهم من خلال التجارب العلمية والبحث المستمر، وأصبح الإيمان بالآلهة أقل تأثيرًا في حياة الإنسان اليومية.
التغير في تفكير الإنسان تجاه الأساطير يعود إلى تطور المعرفة والعقلية الإنسانية. مع انتشار العلم والبحث المنهجي، تم استبدال التفسيرات الأسطورية بتفسيرات عقلانية. إضافة إلى ذلك، أدى انتشار الديانات التوحيدية مثل المسيحية والإسلام إلى تقليص مكانة الأساطير في الحياة اليومية. الناس بدأوا يركزون على المفاهيم الدينية التي تقدم إجابات مباشرة عن الحياة والموت، وتحكمها قوانين إلهية ثابتة، مما جعل الأساطير تصبح أقل تأثيرًا في المجتمعات الحديثة.
على الرغم من أنّ الأساطير تراجعت في عصرنا الحديث، إلا أنّها لا تزال تشكل جزءًا مهمًا من تراثنا الثقافي والفكري. وهي أداة لفهم ماضي الإنسان وسعيه لفهم الكون والطبيعة. ما يزال تأثير الأساطير يظهر في الأدب والفن والسينما، ما يبرز قوتها واستمراريتها عبر الزمن. وفي النهاية، تبقى الأساطير شاهدة على مرحلة مهمة في تطور الفكر البشري، وعلى قدرة الإنسان في خياله على خلق عالم مليء بالمعاني والرموز.