كيف كان حال الشارع أيام الثورة العرابية؟
كلنا يعلم على وجه التقريب الأحداث الرسمية للثورة العرابية، والدور الذى لعبه أحمد عرابى وعبدالعال حلمى وغيرهما من الزعماء فى قيادتها، وموقف الخديو توفيق منها، وحالة القلق والتوجس التى تعامل بها القناصل الأجانب، خصوصاً الإنجليز والفرنسيين معها، وحلقات تطور هذا الحدث الجلل فى حياة المصريين، حتى انتهى الأمر بهزيمة «عرابى» والعرابيين أمام القوات الإنجليزية التى استعان بها الخديو، ثم القبض على «عرابى» وغيره من زعماء الثورة ونفيهم إلى جزيرة «سيلان».كل هذا شىء وتفاعلات الشارع المصرى مع الأحداث التى عج بها الشارع وقتها شىء آخر.
نعم، كان المصريون مهتمين بالثورة وأحداثها، لأن «عرابى» تمكن من بث رسله ودعاته فى كل حدب وصوب فى مصر، فى الكفور والنجوع، والشوارع والأزقة ودور العبادة، تكلم الرسل ودعاة الثورة مع العمد والمشايخ والعلماء وكبار التجار وغيرهم، من أجل إقناعهم بإسقاط حكومة مصطفى باشا رياض، وتلقف البسطاء هذا الكلام واستمعوا إلى كلام كان يتردد على آذانهم لأول مرة حول الحكومة التى تسرقهم، وتمنح خير البلاد للأجانب، وتحرم أولاد البلد من حقوقهم المشروعة، وأن الأوان قد آن ليعود الحق إلى أهله، وأن بمقدروهم تحقيق هذا الهدف إذا تكاتفوا معاً واصطفوا وراء «عرابى».
كان الأهالى يستمعون إلى كلام الزعماء والخطباء فيتحمس بعضهم، ولا يكترث آخرون، يجرى بعضهم وراء هذا الخطيب أو ذاك ويهتف لعرابى زعيم الفلاحين، فى حين ينظر آخرون إلى المشهد فى غضب، ويجدون فى هذا الكلام خطراً كبيراً على الواقع والمستقبل، وأنه يهدد بفتنة لعن الله مَن أيقظها.اختلف البسطاء فى درجة الحماس أو الضجر من الأفكار التى يدعو إليها خطباء وزعماء الحركة العرابية، لكنهم اتفقوا فى إحساس الخوف الذى داخلهم، حتى المتحمسون شعروا بالتوجس من المستقبل والقلق من الأيام المقبلة.. كما اتفقوا على أنها سوف تكون حبلى بالعديد من الأحداث الداهمة.
منذ أن انطلقت فعاليات وتفاعلات الحركة العرابية عام 1881 كان الشارع المصرى مشتعلاً بالقلق من حدث غامض عجيب، وكلما كان الشارع يشتعل بأفكار عرابى والعرابيين أكثر، كان الخبر المتعلق بالحدث الغامض ينتشر أكثر وأكثر.يحكى «يعقوب شاروبيم» صاحب كتاب «الكافى فى تاريخ مصر» الحدث الغامض فى فقرة اعتراضية طويلة فى ثنايا سردية مطولة قدمها حول الثورة العرابية وأحداثها ويقول: «وظهر فى ذلك الحين نجم من ذوات الذنب، فكان يُرى فى كل ليلة بشكل جلى حتى لضعاف البصر، فهال الناس ظهوره وخافوه وأخذتهم الطيرة، وأخذوا يتأولون ظهوره إلى رموز وإشارات شتى ويقولون إن هذه السنة، أى سنة 1298 هجرية، لا تتم دون وقوع أمور مهمة وحوادث مدلهمة بل حروب وكروب».
وقد وافقت سنة 1298 هجرية عامى 1880- 1881 ميلادية، وهى الفترة التى شهدت بدايات الثورة العرابية، والتى بدأت بالصراع الشهير الذى نشب بين العرابيين بزعامة أحمد عرابى والجراكسة برئاسة عثمان رفقى ومن ورائه مصطفى باشا رياض ناظر النظار.