يبدو أن طمعا سري في نفوس الإخوان بأن فكرة «أستاذية العالم» قابلة للتحقّق، بعد أن وصل التنظيم إلى نحو سبعين دولة تتوزع على قارات العالم الست، وصار له في كل منها أتباع، وإن تفاوت عددهم واختلفت عدتهم، وهو ما كان ثمرة لقيام «التنظيم الدولي للإخوان» عام 1985، أو لهجرة بعض أتباعها إلى بلدان عدة، حاملين الدعوة إلى أفكارها، فقامت فروع تدور حول مركزها، القائم في مسقط رأسها وهو مصر.
وتنظم مواد ست من الباب السادس في لائحة الجماعة التي تم إقرارها عام 1994 العلاقة بين القيادة العامة وقيادات الأقطار، مقسّمة إياها إلى ثلاث دوائر، الأولى: يجب فيها على قيادات الأقطار (المراقبون العامون) الالتزام بقرارات القيادة العامة متمثلة في المرشد العام ومكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام، وتشمل الالتزام بالمبادئ الأساسية للائحة، والمنهج الذي يُقره مجلس الشورى العام، والالتزام بفهم الجماعة للإسلام، الوارد في الأصول العشرين التي وضعها حسن البنا، ثم الالتزام بسياسات الجماعة، ومواقفها تجاه القضايا العامة، وفق ما يُحدّده مكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام، وأخيرا الالتزام بالحصول على موافقة مكتب الإرشاد قبل اتخاذ أي قرار سياسي مهم.
وفى الدائرة الثانية، يجب على قيادات الأقطار التشاور والاتفاق مع المرشد أو مكتب الإرشاد قبل اتخاذ قرار يتعلق بالمسائل المحلية التي تُؤثر على الجماعة في كل قطر على حدة. أما الثالثة فيترك فيها لقيادات الأقطار التصرّف بحرية كاملة، على أن تُخطر مكتب الإرشاد العام في أول فرصة ممكنة أو عبر التقرير السنوي الذي يُرفع من المراقب العام ويشمل خطط الجماعة في القطر ونشاط أقسامها، ونمو تنظيمها، ووسائل تحقيق أهدافها.
وتعطي اللائحة لفرع الإخوان في كل قطر حق وضع لائحة، يعتمدها المرشد العام، تتوافق مع ظروفه، وتنظم أنشطته، شرط عدم تعارض أحكامها مع اللائحة العامة للجماعة، ويقدّم كل مراقب عام تقريرا سنويا عن نشاط الجماعة، يتضمّن الاقتراحات التى يراها كفيلة بتحقيق أهدافها، فيما يلتزم كل قطر بتسديد اشتراك سنوى تحدّد قيمته بالاتفاق مع مكتب الإرشاد العام، على أن يخضع عضو الجماعة المغترب عن بلده لقيادة الجماعة في القطر الذي يُقيم فيه.
ولا يمكن فصل هذا الهيكل التنظيمي، بقواعده وإجراءاته وشروطه، عن تصور الجماعة لنفسها أنها عابرة للدول القطرية الوطنية، أو للأوطان، عن فكرة «أستاذية العالم»، فمثل هذا الهيكل يعمل على تحقيق هذا، باعتباره هدفا بعيدا، أو استراتيجية، تتم تعبئة موارد الجماعة البشرية والمادية فى سبيل بلوغه.
وقد اعتمدت الجماعة في مسارها نحو «العالمية» على تنظيمها الدولي، وهو بمنزلة ذراعها الخارجية، أو رافعتها السياسية العابرة للحدود، ما جعلها تمثل نموذجا لـ«فاعل دولي» من غير الدول، لا تقتصر أهدافه على الوصول إلى السلطة في كل دولة يحل فيها، إنما يريد بناء أممية عابرة للقارات تغذيها أيديولوجيا لا تتوقف عند سيادة الدول الوطنية، ولا تخضع لخصوصيتها الثقافية والاجتماعية.
وتنص اللائحة الداخلية للجماعة على أن «الإخوان في كل مكان جماعة واحدة، يجمعها النظام الأساسي، وأهدافها تحرير الوطن الإسلامي بكل أجزائه من كل سلطان غير إسلامي وقيام الدولة الإسلامية».. كما تشير اللائحة إلى أن كل تنظيم قُطري هو جزء من التنظيم الدولي للإخوان، وأن مراقب التنظيم يعطي البيعة للمرشد العام في جمهورية مصر العربية.
وقد انتهجت الجماعة الكثير من الأساليب الرامية إلى التغلغل في المجتمعات غير المسلمة، خصوصا الغربية، فكوّنت ما يشبه المعازل الاجتماعية «الجيتوهات» التي تضم أعضاءها والمنتسبين إليها والمتعاطفين معها، من بين الجاليات المسلمة، والسيطرة على الكثير من المراكز الثقافية والجمعيات الخيرية في الدول الغربية، وعدم إهمال التواصل مع حكومات الدول الغربية الفاعلة.
ويبدو أن فكرة «أستاذية العالم» هذه، وما يضاهيها أو يقترب منها في أفكار الجماعات والتنظيمات السياسية الإسلامية لها صلة بمفهوم «الحتمية التاريخية» التي يعتقد فيها معتنقو التصورات المتشدّدة في اليهودية والمسيحية، وأصحاب الأيديولوجيات الاستبدادية، مثل الشيوعية والنازية والفاشية، ولم تخلُ منها الليبرالية في تصورها لـ«نهاية التاريخ وخاتم البشر»، حسبما قال بذلك الباحث الأمريكي فرنسيس فوكوياما. ويعني هذا كله الإيمان بأن التاريخ يسير في الاتجاه الذى يحقق أهداف وغايات هذه الجماعات، وأن قدرتها على تحقيق النصر في النهاية مسألة مفروغ منها، حتى لو تعثرت أحيانا في بعض المواضع والمواقع والمعارك.