تحت عنوان «قناة السويس الجديدة هدية مصر للعالم.. لكن هل هناك حاجة فعلية لها؟»، نشرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية تقريراً مهماً عن مشروع القناة، يوم الأحد الماضى، وهو التقرير الذى تم استخدامه بشكل مغرض من وسائل إعلام عديدة.
فعدد كبير من وسائل الإعلام المؤيدة لمشروع القناة، ولمسار «30 يونيو» عموماً، اكتفى بالحديث عن «هدية مصر للعالم»، أما تلك الوسائل التى تناصب هذا المسار العداء، أو تعبر عن تنظيم «الإخوان» والجماعات الإرهابية المتحالفة معه والدول الداعمة له، فقد اكتفت طبعاً بالحديث عن الجزء الخاص بـ«هل هناك حاجة فعلية لها؟».
ولأن التقرير مهم، وتم بذل جهد واضح فيه، من خلال محررته روث مايكلسون، التى زارت الإسماعيلية قبل أيام من الافتتاح الرسمى للقناة الجديدة، فسأحاول أن أنقل أهم فقراته فى هذه المساحة، كما ترجمتها «بى بى سى العربية».
«إن القناة عبارة عن مجرى ملاحى جديد بطول 35 كيلومتراً، والهدف منها هو السماح بحركة ملاحة مزدوجة فى اتجاهين فى هذه المنطقة من مجرى القناة الأساسية.
إن الحكومة المصرية قدمت تقديرات شديدة التفاؤل لعائدات المشروع بحيث يزيد من عائدات قناة السويس السنوية أكثر من الضعف بحلول عام 2023، ليرفعها من نحو 3.2 مليار جنيه إسترلينى حالياً إلى نحو 8.5 مليار جنيه إسترلينى.
قد لا تكون الجدوى من المشروع بهذا الحجم فى الواقع، حيث تعتمد حركة الملاحة فى قناة السويس على مرور حاويات النفط والغاز المسال من الشرق الأقصى والشرق الأوسط باتجاه أوروبا.
ورغم أن المشروع يضاعف حجم حركة العبور فى قناة السويس، لكن الحركة فيها أصلاً ليست بهذا الحجم الكبير حالياً، حيث إن حجم التجارة العالمية والأوروبية بشكل خاص فى تراجع منذ عام 2005.
عندما قمت بتوجيه الأسئلة للمسئولين المصريين عن المشروع، خلال الجولة التى نظموها لنا الأسبوع الماضى برفقة بعض الشخصيات الاقتصادية، عن مصدر هذه التقديرات لعائدات المشروع لاذوا بالصمت، ولم يقدموا إجابة، لكن الفريق مهاب مميش قال إنها تقديرات اقتصاديين عالميين فقط.
أما بيتر هينشكليف، الأمين العام لغرفة التجارة العالمية، الذى كان ضمن الشخصيات الموجودة فى هذه الجولة، فقد أكد أن حركة الملاحة فى قناة السويس مرتبطة بالتجارة العالمية.
وعندما سألناه عن العائدات والفروق الكبيرة بين التقديرات العالمية والتقديرات الحكومية المصرية قال: (لا يمكن أن نعمم، وسوف نرى العائدات الحقيقية. لقد قدرت الحكومة المصرية حجم الأرباح الذى تنتظره، وأنا لن أعلق على ذلك).
أما حسام أبوجبل، المحلل الاقتصادى فى (ميدل إيست فاينانشيال أوتلت)، فرأى أن من حق أى حكومة أن تتوقع الحد الأقصى لعائدات مشاريعها، لكن التوقعات ترجح عدم نمو التجارة العالمية حالياً بشكل ضخم يسمح لقناة السويس باستضافة ضعف السفن التى تمر فيها حالياً.
وأضاف أن حركة المرور فى القناة لا تصل حالياً إلى الحد الأقصى المتاح، حيث إنها تعتمد على السوق الأوروبية المتراجعة منذ سبعة أعوام.
وهناك أيضاً مخاوف أمنية حالياً من المرور فى قناة السويس، حيث ينشط تنظيم الدولة الإسلامية فى شبه جزيرة سيناء، كما هاجم قطعة بحرية مصرية فى البحر المتوسط، لكن المسئولين المصريين يرفضون إمكانية أن يشكل التنظيم خطراً على حركة الملاحة فى قناة السويس.
إن حفل الافتتاح المقرر الخميس (أمس) سيشهد وجود الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند، لكن بعد نهاية الحفل وبداية العمل رسمياً فى المشروع يجب أن تبرهن الحكومة المصرية لشعبها أن عائدات المشروع حقيقية».
عند هذا الحد انتهى تقريباً تقرير «الإندبندنت»، وهو التقرير الذى ألقى بظلال على مشروع القناة، وأعطى الفرصة لكثيرين للتشويش على المشروع والتشكيك فى نجاحه.
لكن ثمة ما يمكن أن يكون مفيداً فى مثل هذا التقرير، وهو ضرورة أن تقوم الحكومة بعرض تحليل «اقتصادى/ سياسى/ اجتماعى للعائد من المشروع» Socioeconomic Impact Assessment، بشكل يقنع هؤلاء المشككين، ولا يعطيهم الفرصة للتشويش علينا.