محطة إدارة الحوار المصرى الأمريكى حظيت بمتابعة كثيفة من الداخل والخارج على خلفية لحظة الإقليم المشبعة بالتعقيدات والملفات المفتوحة، وعلى اعتبار أن استئناف اللقاءات المصرية الأمريكية على هذا المستوى من التمثيل بعد تجميده منذ 2009م خطوة تقدم من أمريكا، قابلتها الإدارة المصرية برزانة دبلوماسية لم تبالغ فيها، بل بتقدم مماثل منفتح يدلل على رغبة مصرية فى عدم ممارسة عداء مباشر.
حصاد ما قامت به مصر منذ 30 يونيو 2013م وحتى 6 أغسطس تاريخ افتتاح مشروع قناة السويس العملاق، ظهر وتُرجم فى أداء وزير الخارجية المصرى أثناء اللقاء من قوة وجاهزية للرد على بعض التحفظات، وتسجيل تحفظات مصرية مقابلة مع إشارة إلى أن الرؤية المصرية لكثير من ملفات الإقليم أثبت الوقت صحتها وموضوعيتها، وهى نقطة تميز أضفت على الأداء ندية وأكدت ما تم ذكره قبلاً بأنه ليس هناك مجال لضغوط، ربما يمكن أن يكون هناك تعاون وهذا مطلوب من الجانبين. ما جاء به وزير الخارجية الأمريكى هو اقتراب الموقف الأمريكى من مصر الدولة بنسبة 50% وهى نقطة منتصف تسمح بالنكوص عنها سريعاً، فلم يظهر على الأجندة الأمريكية أى إشارة حول الاقتراب من الرؤية المصرية، إلا ربما فى ملف واحد متقدم قليلاً وهو ملف التسليح، فنسبة الاقتراب فيه 75% لكن هذا الملف لا يمكن القياس عليه لأن له اعتباراته الخاصة وتوازناته الحاكمة.
التعاون فى ملف مكافحة الإرهاب الذى أفرد له جون كيرى مساحة كبيرة فى الحوار بمثابة الوضوء الذى يسبق الصلاة، فهو لا بد أن يعود للكونجرس بإنجاز وضمان المساعدة المصرية حتى وإن بدا شكلياً ولم يتم، كيرى بروتينية وضع أمام الجانب المصرى كل الأحاديث الأمريكية التى تدور عن
مصر هناك، لكن اللافت أنه طرحها دون أن ينتظر إجابات فى دلالة بأن المشكلات المعلقة ربما تسجل اليوم لكنها ترحل إلى الإدارة المقبلة.
هناك شىء مهم تريد الإدارة الأمريكية إنجازه اليوم بالقاهرة وهو صناعة مشهد محكم يشمل طمأنة مصر بشأن الملف النووى الإيرانى، فهى فضلاً عن كونها من الأطراف القلقة يريد كيرى استثماره فى محطته التالية بالخليج، ومن إحكام المشهد ألا يكون للخليج مرجعية مصرية فى هذا الشأن لذلك كرر جون كيرى هناك عبارة «تحدثنا مع مصر» عشرات المرات وكأنه قد أنهى الأمر مع مصر، دفعاً لدول الخليج للخروج من حالة الغضب والاحتقان واستمراراً للجهود الأمريكية الحثيثة فى قطع الطريق على أى تقارب مصرى خليجى فعال خاصة فى هذا الملف تحديداً.
المقبل فى المنطقة، وفى سوريا تحديداً، يحتاج وجوداً أمريكياً لتبريد سخونة مصر قليلاً.
والأهم أن يصل بقادة الخليج لوضع الإمساك بكروت باردة، فهناك بالكواليس الآن طبخة ما لتسوية الأمر فى سوريا بصورة أو بأخرى من الواضح أنه تم اعتمادها أمريكياً، ربما إنجاز الاتفاق النووى مع طهران هو أحد كروت مقايضته، فالصمت الإيرانى المريب عما يحدث فى سوريا من متغيرات المنطقة العازلة وتدخل الجيش التركى المباشر، يوحى بأن هناك صمتاً مدفوع الثمن ستقدمه طهران من أجل إنجاز التسوية. المعادلة السورية تحتاج إلى جراحة صعبة، أمريكا لا تمتلك أدواتها كاملة، لذلك تسعى إلى إضعاف الأطراف الأخرى، والخليج من دون مصر ليس بكامل قوته، ومعاودة الحديث عن إيران الدولة الراعية للإرهاب دفع أمريكى لطهران كى تعود للخلف قليلاً، والحوار المصرى الأمريكى فى حقيقته لم يأت بجديد ولم يغير معادلات، هو فقط لقاء فى منتصف الطريق يمكن لكل طرف فيه أن يعود أدراجه للطريق الذى يرتضيه مستقبلاً.