توقفت أمام العديد من العبارات التى وردت فى حوار الفريق «حمدى وهيبة»، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، والذى نشرته جريدة «المصرى اليوم» الغراء، لكننى تأملت طويلاً وبشكل خاص تلك الفقرة من الحوار التى قال فيها رداً على سؤال حول تقييمه لأداء السيسى حتى الآن: «السيسى حصل على رصيد كبير فى الشارع يصعب منافسته، وأرى أنه رجل عادى، وهناك كفاءات إدارية كثيرة فى مصر، ولو جلس أمامى وتناقشنا «هيبصم بالعشرة إنى أجدع منه مائة مرة».
هذه الفقرة تحمل الكثير، وأول ما تحمله نظرة إلى هذا البلد كـ«وِرثة» آلت إلى «السيسى»، وكان غيره أولى بها، من هؤلاء بالطبع الفريق «حمدى وهيبة»، والدليل على ذلك أن «السيسى» لو جلس أمامه وناقشه فسوف يبصم له الرئيس بالعشرة أنه أجدع منه، ليس مرة واحدة، بل مائة مرة! ولست أدرى لماذا لم يفكر هذا الجدع الكبير فى أن يرشح نفسه فى انتخابات الرئاسة الماضية حتى لا يترك المجال لـ«السيسى» وحده؟ ربما كانت إجابته عن هذا السؤال أن الفرصة كانت مواتية، وأن الظروف كلها كانت تصب فى خدمة مرشح الضرورة، لكن ثمة سؤالاً يفرض نفسه بناء على هذه الإجابة وهو: ألا يعلم الفريق «وهيبة» أن هناك انتخابات رئاسية عقب عامين ونصف من الآن، أولى به أن يركز جهده فيها، ويثبت لنا برؤية واقعية وبرنامج عملى يقنع الناخبين أنه أولى بالرئاسة، وأجدع من غيره؟ حقيقة لست أدرى لماذا لا يفكر من يرون فى أنفسهم الجدارة برئاسة مصر فى هذا الأمر، ويعدون العدة لهذا اليوم، بعيداً عن الكلام الذى يعكس إحساساً كامناً لديهم بأن هذا البلد «وِرثة»، يرى كل واحد أن له الحق فيها.
ثانى ما تحمله هذه الفقرة «نظرة» إلى الشعب تعتبره مجموعة من «الهِبل» الذين يسهل الضحك عليهم و«استعباطهم» من أقصر الطرق الممكنة. ويبدو أن الثورة لم تصل بعد إلى عقل الفريق «وهيبة»، لأنها لو وصلت لعلم أن هذا الشعب اختار «مرسى» والإخوان، وعندما لم يعجبه أداؤهما حاسبهما حساباً عسيراً، وأطاح بهما من فوق سدة الحكم، ثم اختار «السيسى» بعد ذلك، على نفس المعادلة، وعندما يأتى وقت الحساب، الذى يحدده الشعب بمعرفته، فسوف يحاسبه على كل صغيرة وكبيرة، وليس هناك من هو أكبر من هذا الشعب، أو أجدع منه! ولو راقب الفريق «وهيبة» المشهد الذى نعيش فيه جيداً فسوف يلاحظ أن سيلاً من النقد يتردد على الكثير من الألسنة والأقلام عند تناول أداء الرئيس وأداء الحكومة التى اختارها الرئيس، وأن ثمة مظاهرات تتفاعل فى الشارع من حين إلى آخر ضد قرارات وقوانين أصدرها الرئيس، وأخيرها، وليس آخرها، مظاهرات الموظفين ضد قانون الخدمة المدنية.
إننى ممن يؤمنون بالحق فى النقد، لأنه إحدى المقدمات المطلوبة لإنجاز إصلاح حقيقى فى الواقع، لكننى أعتب على من يعتبر هذا البلد أو شعبه مجرد «وِرثة» يطمع فيها كل من شاء وشاء له هواه، وأظن أن ثمة فارقاً كبيراً بين النقد والمكايدة.. وأخشى أن يكون كلام الفريق «وهيبة» خرج فى سياق «المكايدة»!