ما ين تشاي.. بطل قومي صيني خاض 870 معركة في 6 أعوام
ما ين تشاي.. بطل قومي صيني خاض 870 معركة في 6 أعوام
صورة أرشيفية
لعبت عقيدة "حب الوطن من الإيمان"، دورا روحيا في توحيد كل أبناء قومية "هوي" المسلمين بمختلف الفئات الاجتماعية في أنحاء البلاد، لإنقاذ الوطن من تلك الكارثة، وكانت قوات جيش الطريق الثامن والجيش الرابع الجديد للحزب الشيوعي الصيني، والقوات النظامية لحزب الكومينتانج، تضم عددا كبيرا من القادة والجنود المسلمين، كما كانت هناك عشرات المجموعات من قوات المسلمين المسلحة التي قاومت الغزاة اليابانيين، منها "فصيلة قومية هوي" و"الفيلق الإسلامي" و"فرقة قومية هوي الاستقلالية"، وغيرها، ومن أشهر تلك المجموعات فصيلة جيتشونج (منطقة وسط مقاطعة خبي) لقومية "هوي" بقيادة يوسف ما بن تشاي.
ولد ما ين تشاي في العام 1901 لأسرة مسلمة فقيرة، بمحافظة شيانشيان في مقاطعة خبى، وغادر موطنه وهو في سن البلوغ إلى شمال شرقي الصين، حيث انضم هناك إلى القوات العسكرية، وعمل محاربا ورئيسا لجماعة ثم لفصيلة على التوالي، حتى رقى إلى منصب قائد فوج، قبل أن يقال من منصبه بسبب خلافات مع قادة القوات ويعود إلى موطنه، بعد اندلاع حرب المقاومة ضد الغزو الياباني، جمع ما بن تشاي بعض الشباب المسلمين في قريته، وانخرطوا باسم فصيلة قومية "هوي"، في حركة مقاومة الغزو الياباني.
وتطورت فصيلة قومية "هوي" في قرية شينتشوانج الشرقية (موطن ما ين تشاي)، من بضعة عشر فردا إلى عشرات المقاتلين، لكن لم يكن بحوزتها إلا أقل من 10 بنادق، بعد جهود مضنية بذلها ما ين تشاي، توسعت قوات قومية "هوي"، فوصل عددها إلى 300 مقاتل.
في يوليو 1938، انضمت هذه القوات بقيادة ما ين تشاي، مع فرقة تدريب كوادر قومية "هوي" بقيادة الجنرال لوي تشنج تساو، فتشكلت فرقة باسم الفرقة العامة لتدريب قومية "هوي"، وفي نهاية السنة ذاتها، انضمت هذه الفرقة العامة إلى فيالق قومية "هوي" في أماكن أخرى وتأسست فصيلة قومية "هوي" رسميا، وعين ما ين تشاي قائدا لها بفضل مواهبه الفائقة في القيادة العسكرية.
كانت فصيلة قومية "هوي" في بداية تأسيسها تفتقر إلى السلاح، فكان كل فردين يستخدمان بندقية واحدة في نوبتيهما المتعاقبتين، لكن ما ين تشاي ثابر على القتال معتمدا على المدافع البدائية لعدم وجود المدافع والرشاشات المطلوبة.
كما كانت قواته كلما نصبت كمينا للأعداء، تعرضت لهجوم بمئات الطلقات المتتالية المدوية كالرعد ويتصاعد الدخان في الهواء، فينقض المقاتلون الصينيون على الغزاة اليابانيين بسيوفهم، وفي شتاء 1939، استفادت فصيلة قومية "هوي" من هذه الطريقة في هجومها على العدو، وأبادت في هجوم واحد أكثر من 300 جندي ياباني ودمرت 8 سيارات واستولت على كميات كبيرة من السلاح.
تحت قيادة ما ين تشاي، تميز أفراد الفصيلة بالشجاعة والبراعة في القتال، يبثون الرعب في نفوس الغزاة اليابانيين، وفي الوقت نفسه، شجعت انتصاراتهم أبناء المنطقة، فأخذت الفصيلة تزداد قوة يوما بعد يوم عبر تمرسها في المعارك، وارتفع عدد أفراد الفصيلة إلى أكثر ألفين و300 مقاتل، الأمر الذي أثار الفزع والحقد غ في نفوس الغزاة اليابانيين، فحشدوا قوات ضخمة في محاولة لسحق هذه الفصيلة عن بكرة أبيها، وفي 1942 حشد الأعداء 70 ألف جندي، وأعدوا أكثر من 300 سيارة لتطويق منطقة تحرك الفصيلة من جانبين، لكن ما ين تشاي سرعان ما انتقل بدهاء إلى مكان آخر على رأس قواته، ليس هذا فقط بل سحقت فصيلة قومية "هوي" أثناء انتقالها أكثر من 300 جندي جاؤوا لملاحقتها.
وبعد أن مني الغزاة اليابانيون بالإخفاق مرة تلو الأخرى ونفدت جميع حيلهم، اضطروا إلى الاعتماد على المؤامرات السياسية، وفي 27 أغسطس 1941، اقتحم الغزاة اليابانيون قرية شينتشوانج الشرقية، موطن ما ين تشاي، وأحرقوا مسجد القرية ودار "تشاي"، وقتلوا كثيرا من أهالي القرية، وألقوا القبض على والدة "تشاي"، وطلبوا منها أن تكتب رسالة إلى ابنها البطل لإقناعه بالاستسلام للأعداء، لكن الأم فضلت الموت على العار، ورفضت طلبهم، ولم تكتف بذلك بل أضربت عن الطعام حتى الموت، وعندما وصل خبر استشهاد والدة ما ين تشاي إلى أفراد فصيلة قومية "هوي"، كادوا ينفجرون غيظا، وتعهدوا بالثأر للأم العظيمة.
ما ين تشاي، وبرغم حزنه وألمه، ظل محتفظا برباطة جأشه، وجابه الوضع آنذاك بصدره الواسع، إذ كان يدرك تماما أن الأمهات اللواتي قتلن على أيدي العدو لا يحصى عددهن، وأن هناك عددا كبيرا من الأمهات في أمس الحاجة إلى الحماية، فصمم على إنزال ضربة قاصمة بالغزاة اليابانيين من أجل الثأر لجميع الأمهات الشهيدات وحماية جميع الأمهات المتبقيات وتحقيق الانتصار النهائي.
وعبر تمرس تشاي، في نيران حرب المقاومة ضد اليابان واجتيازه الكثير من الاختبارات الحربية، تحول تدريجيا إلى قائد مشهور ببراعته في الهجوم والدفاع، وركب الأهوال والمخاطر، وهو يقود أفراد الفصيلة في القتال من منطقة خبي الوسطى إلى حدود خبي شاندونج خنان، وخلال أكثر من 6 سنوات، خاضت فصيلة قوية "هوي" بقيادته، وفي ظروف عصيبة، غمار 870 معركة كبيرة وصغيرة، أبادت خلالها 36 ألفا و700 فرد من القوات اليابانية والقوات العميلة، واستولت على مئات الحصون والنقاط المحصنة، ودمرت العديد من القناطر والجسور والخطوط الحديدية في المناطق المحتلة، إلى جانب الاستيلاء على أعداد كبيرة من العربات والذخائر والبنادق والمدافع وغيرها من اللوازم العسكرية، الأمر الذي سجل صفحة باهرة في تاريخ حرب المقاومة العظيمة ضد الغزاة اليابانيين، ولذلك قامت القيادة العليا بتعميم ثناء عليه، ومنحت فصيلة قومية هوي لقب "الجيش الحديدي الظافر دائما وأبدا".
7 فبراير 1944، توفي ما ين تشاي بسبب المرض، فكانت وفاته خسارة فادحة ليس لأبناء قومية "هوي" وحدهم وإنما لأبناء سائر القوميات الصينية، وأشاد الجنرال تشو ده، القائد الأعلى لجيش الطريق الثامن آنذاك، بالبطل ما ين تشاي ووالدته في بيتين من الشعر، قال فيهما: إرادتكما ثابتة أبدا يا خير قدوة لقوميتي "هوي" و"هان".. استقامتكما خالدة أبدا أيتها الأم البطلة والابن البطل.
وبعد وفاة البطل ما ين تشاي، لم يتوقف جهود أفراد الفصيلة وأبناء قومية "هوي" في مقاومة الغزو الياباني، حتى تحقق الانتصار الشامل في الحرب، وتم طرد المعتدين إلى خارج البلاد، بعد ولادة الصين الجديدة، أنشأت الحكومة الصينية حديقة بها مقبرة خاصة لما ين تشاي ووالدته لتخليد ذكرى الأبطال والشهداء من أبناء قومية "هوي".
أثناء حرب المقاومة ضد الغزاة اليابانيين، ربط أبناء قومية "هوي" مصيرهم بمصير الوطن الأم، وأبرزوا روح قوميتهم في التضحية لحماية مصالح البلاد ووحدتها، ومن جبهة المعارك إلى القواعد الخلفية، ومن المدن إلى الأرياف، كان أبناء قومية "هوي" يوجدون أينما وجدت نيران ضد العدوان الياباني، وجاء في دفتر "قضية قومية هوي" الصادر عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، أنه "أثناء حرب مقاومة الشعب الصيني ضد الغزو الياباني، احتلت قومية (هوي) مكانة هامة، باعتبارها قوة عظيمة، وإجماليا فإن أهمية أبناء قومية (هوي)، تتمثل في أنه لولا مشاركتهم في الجبهة الوطنية الموحدة للمقاومة ضد العدوان الياباني، ما كان ممكنا ضمان الانتصار النهائي في الحرب وتأسيس الصين الجديدة".