تقرير لجنة تقصى حقائق «حادث أسيوط»: 6 سيارات إسعاف فقط وصلت لمكان الواقعة بعد أكثر من نصف ساعة
أصدر «المجلس القومى لحقوق الإنسان» أول تقرير للجنة تقصى الحقائق حول حادث قطار أسيوط رقم 165، الذى أسفر عن مصرع 51 طفلاً. أظهر التقرير أنه لم تصل لمكان الواقعة سوى 6 سيارات إسعاف بعد أكثر من نصف ساعة، تم استغلال 4 منهم لنقل المصابين، و2 لتقديم الخدمات الإسعافية العاجلة.
انتقد التقرير «وقوع الحادث رغم تكرار الإنذارات، خاصة أن حوادث القطارات فى مصر تكررت بشكل جعل السكة الحديد تعد طريقاً للموت اليومى، التى كان آخرها اصطدام القطار رقم 523 بإحدى سيارات النقل «التريلا» على أحد المزلقانات بمنطقة «ميت حلفا» الواقعة بين شبرا الخيمة وقليوب، مما خلف قتيلا و13 مصاباً فى واقعة لم يمر عليها أكثر من 10 أيام، ولكن المسئولين لم يحركوا ساكناً تجاه ذلك سوى بعض اللجان الفنية التى لا تنتهى بطرح أى حلول لتلك الحوادث المتكررة».
وأورد التقرير الذى حصلت «الوطن» على نسخة منه، تفاصيل وقوع الحادث، قائلاً «إنه فى تمام الساعة 6:30 صباحاً تحرك الأتوبيس الخاص بالمعهد الأزهرى ليقل 67 مواطناً منهم 64 طفلاً ومشرفان والسائق، وجميعهم من قرى الحبابكة، والمندرة، وبنى عدى التابعة لمركز منفلوط بمحافظة أسيوط. وبحلول الساعة 6:45 صباحاً وأثناء مرور الأتوبيس بمزلقان المندرة المفتوح، اصطدم القطار رقم 165 بمقدمة الأتوبيس، دافعاً إياه لمسافة تزيد على 2كم، حتى توقف القطار مخلفاً تحطماً كاملاً للأتوبيس وأشلاء العشرات من الأطفال الذين لقوا حتفهم على الفور، سوى قلة ممن أنقذتهم العناية الإلهية بوجودهم فى مؤخرة الأتوبيس وتعرضهم لإصابات فقط».
وأظهر التقرير أن الحادث خلف 50 قتيلاً، منهم 48 تم التعرف عليهم، وأصدرت النيابة قراراً بدفنهم، وقتيلان لم تتعرف أى من الأسر عليهما، خاصة أن معظم الجثث التى خلفها الحادث كانت أشلاء لأطفال صغار بعضها تكدس بالأتوبيس، والآخر تساقط تحت قضبان القطار منذ لحظة الاصطدام حتى لحظة وقوف القطار، لتمتلئ مسافة تتراوح بين 2 و2.5 كم بأشلاء أطفال أسيوط.
وقال مستشفى جامعة أسيوط للجنة تقصى الحقائق إنه استقبل 17 حالة من المصابين، توفيت منهم حالة ليصبح عدد المصابين 16، وهو ما يجعل محصلة المجنى عليهم فى هذا الحادث وفق الإحصاءات الأولية 67 بين الإصابة والوفاة.
وأضاف تقرير اللجنة أن هناك من الأهالى من فقد كل أطفاله، مثل المواطن حمادة أنور، أمين شرطة بمديرية أمن أسيوط، الذى فقد أطفاله الثلاثة، ويحيى حمدالله، المحامى، الذى توفى طفله الوحيد، والمواطن جمال شحاتة الذى توفى نجله «أحمد» وترقد طفلته «دعاء» الآن فى حالة خطيرة.
وعن تحرك أجهزة الدولة، قال التقرير إنه «وفقاً لروايات الشهود من قرية المندرة، الذين كانوا أول من وصل لمكان الحادث، فقد وصلت سيارات الإسعاف متأخرة تباعاً بعد أكثر من نصف ساعة من وقوع الحادث، كما لم تصل لمكان الواقعة سوى 6 سيارات إسعاف، تم استغلال 4 منها لنقل المصابين، وسيارتين لتقديم الخدمات الطبية العاجلة، ووفقاً للمشاهدات العينية للبعثة لم تكن سيارات الإسعاف قادرة سوى على استيعاب طفل أو اثنين على الأكثر، مما يظهر قصوراً شديداً فى عدد السيارات المتاحة لمثل تلك الكارثة، بالإضافة إلى تراخى نقطة الإسعاف التابعة لمركز منفلوط القريب، حيث وصلت متأخرة جداً، فى حين وصلت سيارات الإسعاف التابعة لمركز القوصية أولاً».
وعن وصول الشرطة، أقر الشهود من المواطنين والأهالى بوصول سيارات المطافئ وسيارات الشرطة عقب وصول الإسعاف بمدة لا تتجاوز الدقائق، مؤكدين أن وجود قوة الشرطة والمطافئ لم يساعدهم فى أى شىء، سواء فى نقل الجثث أو المصابين أو إحداث أى تغيير أو إضافة فى الكارثة.
وذكرت البعثة الميدانية التى انتقلت للمستشفى وقابلت العديد من أهالى المصابين والمجنى عليهم، ومنهم سعاد عبدالتواب عبدالسلام إحدى مشرفات الأتوبيس، أنها لاحظت غياب الرعاية الكافية بالمستشفى الذى ينقصه عدد من الأجهزة والأدوات الخاصة، مثل أكياس الدم وبعض الأدوية، فضلا عن الإهمال الذى لاحظه المواطنون فى قسم الاستقبال بالدور الأرضى، حيث لم يجدوا طبيباً واحداً يسألونه عن حالة الأطفال، أو ما سوف يتم تقديمه لهم أو لمباشرتهم.
وطبقاً للتقرير، فإنه بحلول الساعة الخامسة والنصف مساء يوم الحادث لم يجد الأهالى أياً من الأطباء، فى حين لاحظوا اصطفافهم ووجودهم الكثيف لحظة زيارة المسئولين للمستشفى، وهو ما يعكس قصوراً خطيراً فى إدارة المنظومة الصحية. فيما قال الأهالى للبعثة إن أغلب الأطباء الذين قابلوهم كانوا من «طلبة الامتياز» بكلية الطب، وأنهم كانوا قليلى الخبرة وفى حالة ارتباك.
وأوضح تقرير البعثة أن تحرك المواطنين اتخذ شكلين أساسيين، وهما التحرك لسد العجز الحكومى، حيث كانوا أول من وصلوا لموقع الحادث، وأول من قاموا بتقديم خدمات الإنقاذ والرعاية لعدد من الأطفال، كما قاموا بسد العجز الناتج فى عربات الإسعاف، إذ استخدم العديد منهم سياراتهم الخاصة فى نقل المصابين والضحايا، كما كان للمواطنين دور كبير فى التبرع بالدم من أجل المصابين، واتجه عدد من المجموعات القبلية والجمعيات الخيرية المحلية لموقع الحادث ولمستشفى أسيوط الجامعى، لتقديم الدعم اللازم للمصابين ولأسر الضحايا.
ونقلت البعثة استنكار الأهالى وأسر الضحايا والمصابين لما تناقلته الأنباء بشأن صرف تعويضات لأسر الضحايا، تقدر بـ5 آلاف جنيه، مردديين عبارات «مش عاوزين تعويضات، هية الفلوس هتعوضنا عن عيالنا، هتعملنا إيه الفلوس هترجع ولادنا تانى، الخمس تلاف دول بنشترى بيهم حمار، هوه ده قيمة دم عيالنا عند الحكومة».
وأكدت اللجنة فى ختام تقريرها أن الطرق غير الممهدة والممتلئة عن آخرها بعدد كبير من المطبات، لعبت دوراً كبيراً فى تأخر عربات الإسعاف، التى كانت بدورها غير كافية لمواجهة تلك الكارثة، كما أدى عدم وجود مدارس ومعاهد تعليمية لتعرض الأطفال لتلك الحوادث بشكل يومى فى سفرهم اليومى، من أجل الحصول على فرصة فى التعليم.
ومن جانبه، قال «المجلس القومى لحقوق الإنسان» عقب التقرير الأول للجنة تقصى الحقائق، «إن هناك العديد من العوامل التى أدت لوقوع تلك الكارثة الإنسانية، التى تصب فى غياب منظومة إدارية رشيدة لحركة النقل والمواصلات فى مصر بشكل عام، وفى خطوط السكك الحديدية بشكل خاص، إلى جانب القصور الموجود فى المنظومة الصحية والتعليمية».
وشدد المجلس على «ضرورة محاسبة كل المتورطين فى هذا الحادث، وعدم الاكتفاء بتقديم بعض الموظفين فى أسفل السلم الوظيفى للمحاكمة، للتستر على المسئولين فى أعلى السلم الوظيفى، وضرورة العمل الفورى على إصلاح منظومة الطرق والمواصلات فى صعيد مصر»، مطالباً بتوفير الحد الأدنى من خدمات التعليم للمواطنين بالشكل الذى يحفظ حقهم فى التعليم، ويحمى أرواحهم من التعرض اليومى لخطر الموت، وتوفير منظومة صحية قادرة على مواجهة ما تعرض له المواطن المصرى من أمراض وكوارث، والبدء الفورى فى تأسيس وتنظيم إدارة لمتابعة الأزمات والكوارث التى تتعرض لها مصر بشكل دورى، حتى لا تصبح سوء إدارتنا لها أول العوامل فى زيادتها وبسط مساحة سلبياتها.
وأشار المجلس إلى أن بعثة تقصى الحقائق مستمرة فى عملها للوقوف على كافة جوانب الحادث الأليم، بغرض تقديم الصورة الكاملة لكافة المهتمين والمتابعة، مشيراً إلى أنه سوف يكون هناك تقرير نهائى عن الحادث خلال الأيام المقبلة.