الضغط العسكرى والأمنى الموجود فى سيناء منذ تاريخ الأول من يوليو الماضى الذى ارتكبت فيه العملية الإرهابية التى كانت تستهدف السيطرة على مدينة الشيخ زويد، ضرب الهيكل الرئيسى لتنظيم أنصار بيت المقدس، الذى كان يحاول أن يقدم نفسه كفرع فاعل لتنظيم داعش على أرض سيناء، وطور هذا الضغط من عمله فيما بعد افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة بالعملية الموسعة «حق الشهيد» التى استهدفت تطهيراً حقيقياً طال انتظاره لمثلث الرعب (العريش، الشيخ زويد، رفح)، العملية تحصد اليوم ثمار جدية التخطيط والمواجهة التى تنفذها على الأرض وتستهدف قطع الطريق على التنظيم الإرهابى من أن يتمكن مستقبلاً من تجديد جلده لإنتاج مزيد من العمل الإرهابى المسلح.
مشهد فى إجماله يدعو للتفاؤل الحقيقى بأن المقبل أفضل مستنداً على ظهير عملياتى ماثل للعيان، وجهد وعرق وشهداء غاليين قدموا دماءهم الشريفة من أجل أن نصل لتلك المحطة المبشرة، هذا فى أقصى الشرق لكن يقابله على الجانب الآخر مشهد يغلى بالخطر ويمور بتشكيلات تستهدف باختصار نقل حلبة الصراع مع الدولة المصرية إلى الساحة الغربية المفتوحة، بظهيرها الليبى الأكثر خطورة وغلياناً بالآلاف من العناصر المسلحة الجاهزة والمدربة، التى استطاعت تثبيت أقدامها هناك فى فراغات الصراع الليبى الداخلى، تنظيم داعش الأم فى سوريا والعراق كان يولى فرعه الليبى اهتماماً بالغاً ويدفع وراء نجاحه هناك بكل ما يستطيع من دعم ممكن، فالمكان جغرافياً نموذجى بالنسبة له وخطوط التواصل مع التنظيمات التى سبقته فى تلك المنطقة تسيل لعاب الخليفة فى العراق ومن وراءه داعمون.
فى فترة زمنية لم تتجاوز الشهور تماماً كما حدث بالعراق وربما أسهل، ثبت داعش ليبيا أقدامه فى منتصف الليبى تماماً، فبعد قليل من التعثر فى مدينة درنة استطاع أن يبتلع سرت وما حولها ليستقر فى المنتصف الساحلى، ممتداً جنوباً حتى الوصول لبنى الوليد، نجاح تكتيكى هائل خاصة وهو قد ضم أثناء تلك السيطرة العسكرية جزءاً كبيراً من تنظيم أنصار الشريعة الأقوى على الأرض فى شرق ووسط ليبيا، بانضمام نهائى لعناصر تنظيم أنصار الشريعة وإعلان المبايعة فى يونيو الماضى انقلبت المعادلة الليبية لمعادلة ثلاثية، فما بين البرلمان والحكومة الشرعية والجنرال حفتر شرقاً وبين ميليشيات الإخوان وبعض أتباعهم من السياسيين غرباً استقر داعش ليبيا فى المنتصف وبدأ يمارس التمدد وينجح فيه حتى الآن على الأقل.
التنافس والصراع الدائر ما بين داعش والقاعدة الذى يدور رحاه فى مناطق عدة على صدارة النشاط والعمل الإرهابى وحصد المبايعات والولاء من التنظيمات الصغيرة الأخرى، وصل هو الآخر إلى ليبيا وعبر عن نفسه فيما ذكرناه آنفاً وفيما جرى بداخل تنظيم أنصار الشريعة الذى كان يسيطر قبل ظهور داعش على المسرح على معسكرات تدريب المقاتلين ومخازن السلاح، التى كانت تعطى له نفوذاً هائلاً وكلمة عليا، انتقل جزء كبير منه لداعش، وبقى الجزء الآخر متحالفاً مع تنظيم «المرابطون» المصرى، تابعاً لتنظيم القاعدة، والقاعدة كتنظيم يبدو أنه قد نشط خطوط اتصاله مع مموليه وبدأت المراهنات تلقى عليه مرة أخرى، فهو غير قابل لتقبل الهزيمة من داعش نجم الشباك الآن، ويراهن هو فى المقابل أن فروعه أقوى وأثبت أقداماً حيث هى سابقاً والآن.
داعش ليبيا يستشرف هزيمة فرع سيناء وانقصام ظهره هناك فيحاول جاهداً الدفع ببعض من عناصره للدخول إلى المنطقة الغربية المصرية لتأسيس مسرح عمليات جديد، وتنظيم «المرابطون» المصرى ذو الانتماء القاعدى لديه ظهير قوى جداً على الجانب الآخر من حدود مصر الغربية، ويتشارك مع داعش فى نفس الهدف خاصة والساحة مفتوحة أكبر جداً من سيناء، حدود تمتد إلى ما يتجاوز 1250 كم فى صحراء وكثبان مفتوحة تجعل معادلة الأمن مع كل الجهد الخارق الذى يبذل هناك من أصعب ما يكون، وتستلزم من الأمن المصرى أن ينال من رقاب تلك التنظيمات هناك على أرضها قبل الوصول إلينا، خاصة وهى لم تكف عن المحاولة منذ حادث الفرافرة وحتى الآن.