فى يوم السبت 24 أكتوبر الماضى عصر هذا اليوم الذى يقع فى منتصف المسافة ما بين انتخابات المرحلة الأولى للبرلمان وبين جولة الإعادة، تم إطلاق دفعات نيران كثيفة من رشاش آلى كان يحمله أحد الإرهابيين وهو خلف زميل له على دراجة بخارية، أطلقت النيران فى منتصف النهار وسط مدينة العريش عاصمة شمال سيناء تجاه الدكتور الصيدلى مصطفى عبدالرحمن، أمين حزب النور ومرشحه البرلمانى، إثر ذلك توفى الدكتور «مصطفى» فى الحال فدفعة النيران كانت موجهة للصدر تماماً فلم يُجدِ نفعاً نقله إلى مستشفى العريش العام على بعد أمتار من الحادث لإمكانية إسعافه.
صمت وذهول وفزع مركب ساد مدينة العريش عصر هذا اليوم فالحادث به من شراسة العنف والرسائل المفخخة ما دعا الصدمة لأن تكون سيدة الموقف، الدكتور مصطفى الصيدلى الشهير بالمدينة كان يستعد لخوض جولة الانتخابات الثانية التى تدخلها سيناء مع المحافظات الثلاث عشرة الأخرى، وهو يشغل منصب أمين حزب النور بالعريش منذ تأسيس الحزب فيما بعد ثورة يناير 2011م، فى مدينة فضلاً عن كونها العاصمة، تحوى كتلة سلفية معتبرة تكاد تكون الأكبر من حيث التصنيف السياسى وهوى الانتماء، وفى هذا تبرز دقة وذكاء الاختيار من قبل عناصر داعش المتناثرة الآن كخلايا بعد عملية «حق الشهيد» العسكرية، شيطانية الذكاء أرادت أن تصل برسالتها من أقصر الطرق عبر دراجة بخارية قادرة على اختراق المزالق الوعرة وبدفعة نيران محكمة تملك القتل بمجرد توجيهها للقلب. وصلت الرسالة مباشرة للعملية الانتخابية برمتها، فإن كان الاستهداف قد طال رأس الكتلة الأكبر والأوفر حظاً بالمنطقة، فكل ما هو دونه من المرشحين والناخبين فى مرمى تصويب التنظيم، لكون الرسالة مفخخة بالفعل فقد سرت إشاعة بسيطة كالنار فى الهشيم تنسب للدولة قيامها بعملية الاغتيال على خلفية نتائج سقوط حزب النور فى المرحلة الأولى، هذه هى الرواية المعتمدة لدى الجمهور السلفى هناك خاصة الشباب منهم، حتى بعد أن وصلت الشرطة للخلية التى نفذت الجريمة وقتل أحد عناصرها برصاص الأمن الذى أصاب حزاماً ناسفاً كان يرتديه، وبقيت الرواية حتى مع تراجع القيادات والعقلاء عن إمكانية اعتماد وتمرير روايات كهذه، خاصة أن المفخخات قد توالت حين أعلن باقى مرشحى الأحزاب الأخرى والمستقلين قرار انسحابهم من خوض الجولة الانتخابية!!
ذكاء وشيطانية الرسالة اختارت أن يحملها دم الدكتور مصطفى عبدالرحمن، الذى يعود لأصول سوهاجية وليس لديه ظهير قبلى أو عشائرى بالمنطقة قد يتسبب فى خلط الأوراق، حتى تبقى وحدها العملية الانتخابية ذات الدلالة السياسية فائقة الأهمية هى المستهدف الأول، فعدم إجرائها بالعريش تحديداً يلقى بظلال قاتمة على المشهد الأمنى ويخصم بقوة من رصيد استقرار الأوضاع، وبالفعل كان قرار الانسحاب المفاجئ للمرشحين وإصدار بيان مرتبك يصف الوضع الأمنى بالخطير والمهدد، بالإضافة إلى احتوائه حفظاً لماء وجه كاتبيه على اتهام أجهزة الدولة بإهانة المواطنين وتجاهل سياسى وإعلامى تجاه سيناء وأهلها، المرشحون المنسحبون وكاتبو البيان يعلمون أن هذه التوصيفات غير صحيحة فى أكثر التعليقات تهذيباً على محتوى البيان، فهو يجنح إلى جانب الإرهاب إن كان هؤلاء لا يفقهون تفسير الموقف والبيان، وللعلم هذا ما سمعوه بآذانهم ممن يرفضون الاتجاه لرد الفعل هذا من أبناء سيناء الذين يرون المعادلة والرسالة على وجهها الصحيح. رصاصات اغتيال التمثيل السياسى لسيناء وأهلها فى برلمان مصر، جاءت أيضاً تستهدف وجهة استراتيجية تراهن عليها فى المستقبل، وهى الكتلة السلفية الشبابية الحائرة، فهى وحدها القادرة على تعويض التنظيم الإرهابى عن شح العناصر الموجودة تحت يديه لاستعادة العمل بعد ضربات الجيش والأمن الأخيرة، وهؤلاء الشباب ليسوا ملكاً لتيار سلفى ولا لعائلات سيناء التى يسكنها الإحباط الحقيقى، بل هم ملك الوطن المصرى، ذخيرته ومستقبله وقوته التى لا يجوز التفريط فيها تحت أى ذريعة تهاون أو انشغال، لذلك فالواجب أن يفتح تحقيق سياسى عاجل قبل الأمنى لتفكيك عناصر هذه الجريمة الملغمة قبل أن تنسف مكوناتها فى وجوهنا جميعاً.