مبكراً جداً بالطبع طرح التساؤلات ومن الصعب جداً امتلاك أحد رفاهية الإدلاء بإجابات حول عمل إرهابى بحجم ما حدث فى ليل الجمعة الحزينة التى عاشتها باريس، فالمشهد كارثى من دون أدنى مبالغة ونحن وهم أيضاً ما زلنا لم نفق بعد من هول وتفصيلات ما دار فى شوارع العاصمة الفرنسية لذلك سيكون الأمر أشبه بالقراءة الأولية فنحن على مسافة ساعات محدودة من القارعة، 6 عمليات إرهابية يتم تنفيذها فى توقيتات متزامنة وبأهداف على درجة عالية من الخطورة، وقعت جميعها فى شوارع العاصمة، ما وضع الأمن الفرنسى فى مواجهة مع الجحيم ذاته، فالمطلوب من الأمن فى لحظات المواجهة الأولى قائمة طويلة من المهام أدناها صعوبة الإجابة عن سؤال: ماذا يحدث؟
قدم الأمن إجاباته العاجلة بأنه أمام مجموعة عمليات إرهابية أولها تستهدف ملعباً لكرة القدم به ما بين 40 إلى 60 ألف متفرج ضمنهم الرئيس فرنسوا أولاند، وثانيها دخول خلية إرهابية إلى إحدى قاعات العروض الفنية وتمكنها من السيطرة على مقاليد الأمور بالداخل جزئياً مما يقترب من وضعية احتجاز رهائن قدر عددهم المبدئى بـ1500 مشاهد، وتوالت فيما بعد بعض من الإجابات الأخرى حول عمليات متفرقة تقع جميعاً داخل باريس، لكن تظل العمليتان السابقتان هما الأخطر والأعلى تهديداً وفق كافة المقاييس الأمنية البحتة، ونفذ الأمن الفرنسى خطتين للمواجهة كل على حدة بالطبع وخرج منهما بنتائج قد يكون مفيداً قراءتهما لتقييم النتائج الأولية.
فى ملعب كرة القدم نفذ الأمن الفرنسى مشهداً ناجحاً بامتياز، بداية من عدم تمكن المهاجمين من التسلل إلى داخل الملعب لتنفيذ تفجير انتحارى بداخله، ثم أعقبه اشتباه عناصر التأمين فى وجود شخصين من غير المبرر وجودهما بجوار الأسوار، وهنا قد يرجح أن الإرهابيين قد قررا تغيير خطة تحركهما بالبقاء لاستهداف الجمهور فى لحظة المغادرة، تعامل الأمن مع الشخصين أدى إلى قيامهما بتفجير أحزمتهما الناسفة بالخارج وأعقب ذلك تنفيذ عملية إخلاء ناجحة للرئيس الفرنسى من المكان، السيطرة على أوضاع هذا العدد الكبير من الجماهير وإنزالهم إلى داخل الملعب من دون إثارة حالة من الفوضى قد توقع ضحايا هى أبرز مشاهد نجاح الأمن الفرنسى الذى خرج بهم بسلام فيما بعد السيطرة على الموقف.
على الجانب الآخر فى مشهد قاعة العرض الفنى كانت المعادلة أعقد بالنسبة للأمن بسبب تمكن المجموعة الإرهابية من دخول القاعة والسيطرة عليها بمن فيها فى حالة أقرب باحتجاز للرهائن، خطأ الإرهابيين فى عدم سيطرتهم على الطابق الثانى من القاعة أنقذ عدداً كبيراً من الحضور تمكنوا من الفرار فى لحظات الاقتحام الأولى، لكن دخول عناصر الأمن بعد ذلك لتحرير ما يقارب المائة محتجز بالداخل يبدو أنه شابه تعجل وتوتر شديدان انعكسا على النتائج بشكل مباشر، فلم تكن هناك خطة مدروسة لمحاولة تقليل عدد الضحايا أو محاولة للقبض على الإرهابيين بقدر ما كان الهدف المتصور هو سرعة الخروج من هذا المأزق الأمنى بأسرع ما يكون، فقرار الاقتحام المباغت أظنه اتخذ على خلفية الضغط الإعلامى لكاميرات الإعلام التى نصبت على الجانب الآخر من المسرح تتابع وتنقل على الهواء مباشرة، والخلفية الأخطر والأعلى ضغطاً أن حالة التوتر والقلق العارمة كانت تضرب كل ساكنى باريس بقوة خاصة مع المعلومات المتواترة بأن هناك مجموعات مسلحة لم يحدد عددها حتى اللحظة تتحرك بحرية غير معلوم وجهة ضربتها المقبلة، تلك الخلفيات الضاغطة بقوة على متخذ قرار تنفيذ الاقتحام وسقوط عدد يقارب المائة ضحية خلاف الإرهابيين، شكل مشهداً فاشلاً أمنياً سقط فى فخ الرغبة فى الخروج من تلك الزاوية الضيقة سريعاً بأى قدر من التكاليف، لكنها جاءت باهظة الثمن رغم حالة الخطر التى لم تكن قد أفصحت عن أبعادها بعد فى تلك اللحظات الأولية من اليوم الدامى.