تايه فى شوارع القاهرة: المزمار أهلى وعزوتى
تايه فى شوارع القاهرة: المزمار أهلى وعزوتى
ممدوح
أرهقه السير كثيراً، خاصة أنه يسير بلا مرسى، لا يعلم إلى أين سيتجه لكنه يواصل السير، جلس «ممدوح أبوصفارة»، يستريح قليلاً على رصيف فى أحد شوارع الحلمية الجديدة، ظلام شديد يحيط به تقطعه كاشفات السيارات المقبلة فى اتجاهه، يترك أضواءها ويعطيها ظهره ويخرج من جيبه مزماراً ويبدأ فى العزف، بدأ صوت المزمار ضعيفاً ثم علا صوته تدريجياً حتى إنه غطى على أصوات كلاكسات السيارات، وأخرج من خلال عزفه كل ما يجيش فى صدره، فلا صديق يحكى له، ولا زوجة ولا أهل ولا معارف ولا مسكن ولا مال فى جيبه.
عندما كان «ممدوح» طفلاً، كان يسير مع والده وجده بملاوى فى المنيا، كانا يعزفان وهو يسمع، وبمرور الوقت مات الأب والأم والجد والأصدقاء، وبقى هو وحيداً لا يملك من الدنيا إلا مزماراً، فقرر النزول إلى القاهرة لكنه تاه فى شوارعها: «أنا بحب الفن، بيع المزمار ده مزاج وفن، لكن ما يفتحش بيت»، مؤكداً أنه وقع فى غرام المزمار والناى، وفى عشق القمر الذى يتحدث إليه يومياً، يحكى له عن حبه للموسيقى، ويشكو له من وحدته، يحدثه كثيراً عن والده، ويطمئن بوجوده، فيسهر معه حتى الفجر وينام بعدها. يحتفظ «ممدوح» بلهجته الصعيدية، لم يغيرها على الرغم من وجوده فى القاهرة طيلة 40 عاماً، يبرر ذلك بقوله: «عيب على الرجل أن يغير لهجته»، لا يملك بيتاً ولا مكاناً ثابتاً ينام فيه، عندما يحل عليه المساء يضع جسده أينما وجد وينام، وعندما يستيقظ يواصل المسيرة: «لا المهنة دى جايبة فلوس ولا المشى جاى بنتيجة لكن أنا راضى».