أى «قوة» تلقى بنفسها فى حضن الاختبار لا بد أن تفشل، فحينما يحاول حزب أو قوة سياسية أو جماعة أو فرد الدخول فى صراع يستعرض فيه قدرته وسطوته، حتى يثبت للجميع أنه «الواحد الأحد»، فمؤكد أن الأمر سينتهى به إلى السقوط الذريع والمدوى. ذلك ما يقوله تاريخ صراع البشر على الأرض، وذلك أيضاً وعد خالق السماء والأرض الجالس فوق عرش ملكوته، الذى لا يرضى بأن تتوحد الحياة فى شخص أو قوة أو حزب أو جماعة، ليتحول إلى «إله معبود» من دونه. وصدق الله العظيم إذ يقول «قل لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا».
تلك كلمات أهمس بها فى أذن الرئيس وجماعة الإخوان، بعدما لوحظ من استقواء الدكتور «مرسى» بأبناء جماعته خلال خطاب «الاتحادية»، وما أعلنته الجماعة عن عزمها تنظيم مليونية حاشدة يوم الثلاثاء المقبل، تصطف فى ميدان «عابدين» ليفصل بينها وبين المليونية التى تدعو إليها القوى السياسية فى نفس اليوم شارع واحد!. على الرئيس وجماعته استيعاب أن مواد «الاستفراد بالسلطة» فى الإعلان الدستورى الأخير وضعتهم فى مواجهة شاملة مع كافة الأطراف فى مصر، فهم الآن يقفون فى وجه القوى المدنية، والكنيسة المصرية، والثوار المؤمنين بالحرية والكرامة، وفلول النظام السابق الذين استغلوا فرصة الغضب العام على الإخوان، فاصطادوا فى الماء العكر، وبدأوا يطلون برؤوسهم من جديد. وتكاد بعض التيارات الإسلامية تغسل يدها هى الأخرى من هذا الصراع التى ترى أنه استحكم بين الإخوان وبقية الأطراف السياسية.
إذا أرادت الجماعة أن تستعرض قوتها أمام الجميع فسوف تفشل حتماً، أكرر حتماً!. فمهما ظنت بنفسها العدد والقدرة والصلابة فى المواجهة فلن تستطيع أن تفعل شيئاً. على «الجماعة» أن تمتثل لحكم العقل، وألا تنجر وراء وهم القوة، لأن أى مواجهة عنيفة سوف تنتهى بخسارة الإخوان. فالجماعة بكل كوادرها وقياداتها مجرد ذرة فى بحر المصريين، وليعلموا أنهم، حين يواجهون بالعنف القوى السياسية الأخرى الرافضة لإعلانهم الدستورى، قد يدفعون الشعب كله إلى مواجهتهم. هذا الشعب الذى لم تقدر عليه شرطة مبارك التى كانت تزيد فى عددها عن مجموع عدد الإخوان المسلمين، ناهيك عما تمتلكه من عتاد.
مطلوب من الإخوان أكثر من غيرهم أن يتأدبوا بأدب القرآن الذى يؤكد أن من يغتر بقوته يفشل حتماً عند اختبارها. والله تعالى يقول: «ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغنِ عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين».. لقد نزل هذا الكلام فيمن هم أكرم وأشرف، نزلت فى بشر لم يقذف الله فى قلوبهم الوهن، الذى وصفه النبى صلّى الله عليه وسلم بأنه «محبة الدنيا وكراهية الموت».. ماتحبوش الدنيا أوى كده!.