«حظيرة البضائع»: أنشأتها الدولة للقضاء على التهريب.. فدمرت «التجارة»
«حظيرة البضائع»: أنشأتها الدولة للقضاء على التهريب.. فدمرت «التجارة»
«حظيرة البضائع»: أنشأتها الدولة للقضاء على التهريب.. فدمرت «التجارة»
حين تصل إلى مدينة الشلاتين، تباغتك لوحة معدنية زرقاء مكتوب عليها «حظيرة البضائع»، ومن خلفها تظهر عربات النقل السودانية تتراص فوقها المنتجات المصرية أدواراً، مُحملة بقدر أكبر من حمولتها، حتى تكاد تتمايل يميناً ويساراً. هنا تتجمع البضائع القادمة من السودان، والمصدرة إليها، داخل تلك المساحة المحاطة بسلك حديدى، التى أوقفت بيع المنتجات فى السوق الدولية للشلاتين، لتقتصر عملية التبادل التجارى على تفريق المنتجات القادمة من القاهرة فى تلك الحظيرة لعربات تنقلها للسودان، والعكس، دون أن يستفيد أهل الشلاتين من تلك التجارة التى تدار من القاهرة.
بالقرب من الحظيرة، تظهر وكالة تجارية وأمامها يجلس الشيخ «حسون الحاج»، يتذكر حينما كانت تضج وكالته بالبضائع المصرية التى يتوافد التجار السودانيون لتحميل ما يحلو لهم من كميات والعودة للسودان، لكن إنشاء الجيش تلك الحظيرة، التى لا تسمح بالتجارة داخل مدينة الشلاتين، حول المنطقة من مدينة للتبادل التجارى إلى مدينة «ترانزيت» تسليم وتسلم.
يخطو «الحاج» نحو الداخل، يشير إلى وكالته التى فرغت من البضائع، ويقول إن هذه الحالة عليها منذ سنوات، من بداية إنشاء حظيرة البضائع: «دمرت السوق كله.. السوق كان كله وكالات وزرايب تستقبل البضائع وتخزن فيها من تجار القاهرة وناخد عليها عمولة وحين تأتى بضائع السودان تخزن فيها وناخد عليها أرضية». لكن الآن أصبحت حظيرة البضائع التى تتبع الدولة هى وحدها من تحتكر استقبال البضائع، حسب رواية «الحاج»، ولا تستقبل إلا الكميات الكبيرة من كبار التجار، مما قضى على التجارات البسيطة كتجارة «الحصر والحلل الألومنيوم» والكثير من التجارات البسيطة لصغار التجار، وقصرت عملية البيع على كبار الشركات والتجارة من القاهرة: «بقا المواطن هنا فى الشلاتين لا يستفيد أى شىء من التجارة بين مصر والسودان».
وجود «الحظيرة» لا يسمح بالتجارة الداخلية وحوّل المنطقة من التبادل التجارى إلى «ترانزيت» للبضائع فقط
«مش عايزين غير الحياة الآدمية التى ترضى ربنا.. لكن حتى لقمة العيش مش عارفين ناكلها»، يقولها ممتعضاً، مشيراً إلى توقف العمل بالسوق التجارية، وتوقف التجارة بين مصر وأفريقيا، ويتذكر حينما كانت بوابة حدربة ومدينة الشلاتين هى بوابة غزو المنتجات البسيطة المصرية لأفريقيا، ولكن مع ظهور الحظيرة حولت التجارة من مصر إلى الصين التى أصبحت توفر لهم سلعاً بسعر أرخص لأن وسيلة النقل أصبحت أرخص، لأصحاب التجارات ذات المبالغ القليلة من السودانيين، الذين انقطعت أرجلهم عن الشلاتين. لا يغيب مشهد ظهور عربات التجار السودانيين عن خلد «الحاج» وشقيقه «عيسى» الذى يجذب طرف الحديث قائلاً: «كانت بتيجى مجموعة التجار السودانيين بالعشرة أفراد على عربة نص نقل نسميها بـ(الجلول).. ينزلوا فى السوق ويبدأوا يتجولوا فى السوق لشراء ما يكفيهم من المنتجات»، ويقول إن الدولة كانت تأخذ حقوقها «تالت ومتلت»، المنتجات القادمة من القاهرة تدفع الجمرك من سفاجا، ولكن مع الحظيرة لم تعد تأتى المنتجات إلى السوق: «وقف حال»، تأتى المنتجات تدخل على الحظيرة من الشارع المخصص لها، وتخرج منها إلى بوابة حدربة وتوقفت التجارة فى السوق على العطور والبخور والعطارة. «عيسى» يقول إن الغرض من الحظيرة، حسب ما أعلنت الدولة لهم، القضاء على التهريب، ولكن ما حدث هو النقيض، حيث زادت من حدتها بين مصر والسودان عن طريق المدقات والوديان الصحراوية، خاصة البضائع المحظور تصديرها واستيرادها كالرز والمانجو.
أمام أحد محال العطارة، يجلس «إبراهيم عيسى» يحتسى كوباً من الشاى، يعمل بالتجارة بين أسوان والشلاتين، يقول إن العطارة السودانية، التى كانت تأتى من السودان مباشرة، أصبحت الآن بعد الحظيرة تأتى إلى أسوان، ومنها إلى الشلاتين حتى تباع فى سوق الشلاتين، وتابع أن هذه هى المساحة التى خصصتها للسيطرة على التجارة، حيث أصبحت البلد كلها: «شغالين شايلين فى الحظيرة»، ما إلا تجار العطارة، ولكن قبل إنشائها كان الجميع يعمل «الكل كان بيسترزق وكل التجار من السودان بقا اللى معاه ألفين بيشترى واللى معاه 3 آلاف بيلاقى طلبه عكس دلوقتى يحملها ويطلع على السودان بضايع والتجارة للكبار بس».